وَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ أَبِي لَيْلَى يُقِيمُ عَلَيْهِ الْحَدَّ لِأَنَّهُ وَجَبَ الْحَدُّ بِإِقْرَارِهِ فَلَا يَبْطُلُ بِرُجُوعِهِ وَإِنْكَارِهِ كَمَا إذَا وَجَبَ بِالشَّهَادَةِ وَصَارَ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ. وَلَنَا أَنَّ الرُّجُوعَ خَبَرٌ مُحْتَمِلٌ لِلصِّدْقِ كَالْإِقْرَارِ وَلَيْسَ أَحَدٌ يُكَذِّبُهُ فِيهِ فَتَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ فِي الْإِقْرَارِ. بِخِلَافِ مَا فِيهِ حَقُّ الْعَبْدِ وَهُوَ الْقِصَاصُ وَحَدُّ الْقَذْفِ لِوُجُودِ مَنْ يُكَذِّبُهُ، وَلَا كَذَلِكَ مَا هُوَ خَالِصُ حَقِّ الشَّرْعِ
(وَيُسْتَحَبُّ لِلْإِمَامِ أَنْ يُلَقِّنَ الْمُقِرَّ الرُّجُوعَ فَيَقُولَ لَهُ: لَعَلَّك لَمَسْت أَوْ قَبَّلْت) «لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - لِمَاعِزٍ لَعَلَّك لَمَسْتهَا أَوْ قَبَّلْتهَا» قَالَ فِي الْأَصْلِ: وَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ لَهُ الْإِمَامُ: لَعَلَّك تَزَوَّجْتهَا أَوْ وَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ، وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى.
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِتُهْمَةِ الْحِقْدِ وَهِيَ غَيْرُ مَوْجُودَةٍ فِي الْإِقْرَارِ، وَسَيَأْتِي بَيَانُ التَّقَادُمِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ عَلَى الزِّنَا.
وَقَوْلُهُ (كَمَا إذَا وَجَبَ بِالشَّهَادَةِ) يَعْنِي أَنَّ الْحَدَّ لَا يَبْطُلُ بِإِنْكَارِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ بَعْدَ شَهَادَةِ الشُّهُودِ عَلَيْهِ، فَكَذَا لَا يَبْطُلُ بِإِنْكَارِهِ بَعْدَ الْإِقْرَارِ لِأَنَّهُمَا حُجَّتَانِ فِيهِ فَتُعْتَبَرُ إحْدَاهُمَا بِالْأُخْرَى فَصَارَ كَالْقِصَاصِ وَحَدِّ الْقَذْفِ لَا يَقْبَلَانِ الرُّجُوعَ بَعْدَ الثُّبُوتِ بِالْإِقْرَارِ. وَقَوْلُهُ (فَتَتَحَقَّقُ الشُّبْهَةُ فِي الْإِقْرَارِ) يَعْنِي بِالتَّعَارُضِ الْوَاقِعِ بَيْنَ الْخَبَرَيْنِ الْمُحْتَمِلَيْنِ لِلصِّدْقِ وَالْكَذِبِ مِنْ غَيْرِ مُرَجِّحٍ لِأَحَدِهِمَا.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ فِي الْمَعْنَى) أَيْ قَوْلُهُ لَعَلَّك تَزَوَّجْتهَا وَوَطِئْتهَا بِشُبْهَةٍ قَرِيبٌ مِنْ قَوْلِهِ لَعَلَّك مَسِسْتهَا فِي الْمَعْنَى مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا تَلْقِينٌ لِلرُّجُوعِ، كَمَا أَنَّهُ لَوْ قَالَ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا نَعَمْ سَقَطَ الْحَدُّ.