. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ـــــــــــــــــــــــــــــQالِاخْتِلَافُ فِي الْمُنَكَّرِ فَالْمُعَرَّفُ يَكُونُ مُتَّفِقًا عَلَيْهِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ سِتَّةَ أَشْهُرٍ كَمَا قَالَا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ كَمَا قَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا إنَّ الدَّهْرَ فَاللَّامُ التَّعْرِيفِ يَقَعُ عَلَى الْأَبَدِ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَهُمْ، وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ بِقَوْلِهِ أَمَّا الْمُعَرَّفُ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فَيُرَادُ بِهِ الْأَبَدُ عُرْفًا.
وَوَجْهُ الْجَانِبَيْنِ فِي الْمُنَكَّرِ مَا ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ وَاضِحٌ. فَإِنْ قِيلَ: ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الْكَبِيرِ وَأَجْمَعُوا فِيمَنْ قَالَ إنْ كَلَّمْتُك دُهُورًا أَوْ أَزْمِنَةً أَوْ شُهُورًا أَوْ سِنِينَ أَوْ جُمَعًا أَوْ أَيَّامًا يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذْكُورَاتِ لِأَنَّهَا أَدْنَى الْجَمْعِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَكَانَ أَبُو حَنِيفَةَ أَيْضًا قَائِلًا فِي دُهُورٍ مُنَكَّرَةٍ بِثَلَاثَةٍ مِنْهَا، فَكُلُّ دَهْرٍ سِتَّةُ أَشْهُرٍ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا، وَالْحُكْمُ فِي الْجَمْعِ مَوْقُوفٌ عَلَى مَعْرِفَةِ الْإِفْرَادِ فَكَيْفَ حَكَمَ فِي الْجَمْعِ وَتَوَقَّفَ فِي الْمُفْرَدِ؟ أُجِيبَ بِأَنَّ ذَلِكَ تَفْرِيعٌ لِمَسْأَلَةِ الدَّهْرِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَدَّعِي مَعْرِفَةَ الدَّهْرِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: مَنْ وَقَفَ عَلَى مَعْنَى الدَّهْرِ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَقُولَ فِي الْجَمْعِ الْمُنَكَّرِ مِنْهُ بِثَلَاثَةٍ كَمَا فِي الْأَزْمِنَةِ وَالشُّهُورِ كَمَا فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ فِي الْمُزَارَعَةِ. وَبَيَانُ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْمَالِ فِيهِ أَنَّ مُعَرَّفَهُ يَقَعُ الْأَبَدُ بِخِلَافِ الْحِينِ وَالزَّمَانِ، وَيُقَالُ دَهْرِيٌّ لِمَنْ قَالَ الدَّهْرُ وَأَنْكَرَ الصَّانِعَ. وَحَكَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ بِقَوْلِهِ {وَمَا يُهْلِكُنَا إِلا الدَّهْرُ} [الجاثية: 24] قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «لَا تَسُبُّوا بِالدَّهْرِ فَإِنَّ الدَّهْرَ هُوَ اللَّهُ» فَهَذَا اسْمٌ لَمْ يُوقَفْ عَلَى مُرَادِ الْمُتَكَلِّمِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ؛ وَالتَّوَقُّفُ فِي مِثْلِ ذَلِكَ لَا يَكُونُ إلَّا مِنْ كَمَالِ الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ.