لَهُمْ أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالُ الْحَقِيقَةِ فَيُرَدُّ فَيَلْغُو كَقَوْلِهِ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ قَبْلَ أَنْ تُخْلَقَ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ كَلَامٌ مُحَالٌ بِحَقِيقَتِهِ لَكِنَّهُ صَحِيحٌ بِمَجَازِهِ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ عَنْ حُرِّيَّتِهِ مِنْ حِينِ مَلَكَهُ، وَهَذَا لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ فِي الْمَمْلُوكِ سَبَبٌ لِحُرِّيَّتِهِ، إمَّا إجْمَاعًا أَوْ صِلَةً لِلْقَرَابَةِ، وَإِطْلَاقُ السَّبَبِ وَإِرَادَةُ الْمُسَبَّبِ مُسْتَجَازٌ فِي اللُّغَةِ تَجَوُّزًا، وَلِأَنَّ الْحُرِّيَّةَ مُلَازِمَةٌ لِلْبُنُوَّةِ فِي الْمَمْلُوكِ وَالْمُشَابَهَةُ فِي وَصْفٍ مُلَازِمٍ مِنْ طُرُقِ الْمَجَازِ عَلَى مَا عُرِفَ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ تَحَرُّزًا عَنْ الْإِلْغَاءِ، بِخِلَافِ مَا اسْتَشْهَدَ بِهِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لَهُ فِي الْمَجَازِ فَتَعَيَّنَ الْإِلْغَاءُ، وَهَذَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ حَيْثُ لَمْ يُجْعَلْ مَجَازًا عَنْ الْإِقْرَارِ بِالْمَالِ وَالْتِزَامِهِ وَإِنْ كَانَ الْقَطْعُ سَبَبًا لِوُجُوبِ الْمَالِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأٌ سَبَبٌ لِوُجُوبِ مَالٍ مَخْصُوصٍ وَهُوَ الْأَرْشُ، وَأَنَّهُ يُخَالِفُ مُطْلَقَ الْمَالِ فِي الْوَصْفِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQالتَّكَلُّمِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا عُرِفَ فِي الْأُصُولِ وَقَدْ قَرَّرْنَاهُ فِي التَّقْرِيرِ فَقَالَا: الْحُكْمُ هَاهُنَا مُحَالٌ فَلَا يُتَصَوَّرُ الْمَجَازُ، بِخِلَافِ الْأَصْغَرِ سِنًّا فَإِنَّ الْحَقِيقَةَ فِيهِ مُتَصَوَّرَةٌ لِإِمْكَانِ أَنْ يَكُونَ الْعُلُوقُ مِنْهُ وَاشْتَهَرَ نَسَبُهُ مِنْ غَيْرِهِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ أَوْ تُخْلَقَ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تَصَوُّرُ حُكْمِ الْحَقِيقَةِ لَيْسَ بِشَرْطٍ، فَإِنَّهُ لَوْ قَالَ لِحُرَّةٍ اشْتَرَيْتُك بِكَذَا كَانَ نِكَاحًا صَحِيحًا، وَالْحُرَّةُ لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلْبَيْعِ بَلْ الشَّرْطُ صِحَّةُ التَّكَلُّمِ.
وَقَوْلُهُ هَذَا ابْنِي كَلَامٌ صَحِيحٌ فِي مَحَلِّهِ مِنْ مُبْتَدَأٍ وَخَبَرٍ وَهُوَ مَلْزُومٌ لِقَوْلِهِ هَذَا حُرٌّ مِنْ حِينِ مَلَكْت لِأَنَّ الْبُنُوَّةَ إذَا ثَبَتَتْ فِي الْمَمْلُوكِ كَانَ حُرًّا مِنْ حِينِ الْعُلُوقِ وَذِكْرُ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةُ اللَّازِمِ هُوَ الْمَجَازُ فَصَارَ كَأَنَّهُ قَالَ هَذَا حُرٌّ مِنْ حِينِ مَلَكْته وَذَلِكَ يُوجِبُ الْعِتْقَ لَا مَحَالَةَ فَيُحْمَلُ عَلَى ذَلِكَ تَصْحِيحًا لِكَلَامِهِ، بِخِلَافِ مَا اُسْتُشْهِدَ بِهِ عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ لِأَنَّهُ لَا وَجْهَ لِلْمَجَازِ إذْ لَيْسَ قَوْلُهُ أَعْتَقْتُك قَبْلَ أَنْ أُخْلَقَ مَلْزُومًا لِقَوْلِهِ أَنْتَ حُرٌّ مِنْ حِينِ مَلَكْت لِأَنَّ الْأَوَّلَ يَقْتَضِي عَدَمَ وُرُودِ الْمِلْكِ عَلَيْهِ وَالثَّانِيَ يَقْتَضِي وُرُودَهُ أَلْبَتَّةَ، وَالشَّيْءُ لَا يَكُونُ مَلْزُومًا لِمَا يُنَافِيهِ وَإِلَّا لَزِمَ انْفِكَاكُ الْمَلْزُومِ عَنْ اللَّازِمِ وَهُوَ مُحَالٌ.
وَقَوْلُهُ (وَهَذَا يُخَالِفُ مَا إذَا قَالَ لِغَيْرِهِ قَطَعْت يَدَك فَأَخْرَجَهُمَا صَحِيحَتَيْنِ) جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ لَوْ كَانَ صِحَّةُ ذِكْرِ الْمَلْزُومِ وَإِرَادَةِ اللَّازِمِ مُجَوِّزَةً لِلْمَجَازِ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْحُكْمُ مُتَصَوَّرًا لَوَجَبَ عَلَيْهِ الْأَرْشُ فِي الصُّورَةِ الْمَذْكُورَةِ لِأَنَّ الْقَطْعَ خَطَأً سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْمَالِ فَيَكُونُ قَوْلُهُ قَطَعْت يَدَك مَجَازًا عَنْ قَوْلِهِ لَك عَلَيَّ خَمْسَةُ آلَافِ دِرْهَمٍ وَاللَّازِمُ بَاطِلٌ فَالْمَلْزُومُ مِثْلُهُ.
وَتَقْرِيرُ جَوَابِهِ أَنَّ الْقَطْعَ خَطَأً لَيْسَ بِسَبَبٍ لِمَالٍ مُطْلَقٍ بَلْ لِمَا يُخَالِفُ الْمَالَ الْمُطْلَقَ فِي الْوَصْفِ وَهُوَ الْأَرْشُ.