وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَفِي النَّعَامَةِ بَدَنَةٌ، وَفِي حِمَارِ الْوَحْشِ بَقَرَةٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: 95] وَمِثْلُهُ مِنْ النَّعَمِ مَا يُشْبِهُ الْمَقْتُولَ صُورَةً؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ لَا تَكُونُ نَعَمًا. وَالصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَوْجَبُوا النَّظِيرَ مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ وَالْمَنْظَرُ فِي النَّعَامَةِ وَالظَّبْيِ وَحِمَارِ الْوَحْشِ وَالْأَرْنَبِ عَلَى مَا بَيَّنَّا.
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «الضَّبُعُ صَيْدٌ وَفِيهِ شَاةٌ» وَمَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ عِنْدَ مُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - تَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ مِثْلَ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامِ وَأَشْبَاهِهِمَا. وَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ كَانَ قَوْلُهُ كَقَوْلِهِمَا. وَالشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - يُوجِبُ فِي الْحَمَامَةِ شَاةً وَيُثْبِتُ الْمُشَابَهَةَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدِرُ. وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ الْمِثْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى، وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ فَحُمِلَ عَلَى
ـــــــــــــــــــــــــــــQلِلْمِثْلِ، (وَالْقِيمَةُ لَا تَكُونُ نَعَمًا، وَبِأَنَّ الصَّحَابَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ -) وَهْم عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ (أَوْجَبُوا النَّظِيرَ عَلَى مَا بَيَّنَّا) يَعْنِي قَوْلَهُ: فَفِي الظَّبْيِ شَاةٌ وَفِي الضَّبُعِ شَاةٌ وَفِي الْيَرْبُوعِ جَفْرَةٌ، وَهِيَ الَّتِي بَلَغَتْ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ إلَخْ، (وَمَا لَيْسَ لَهُ نَظِيرٌ) مِنْ حَيْثُ الْخِلْقَةُ (مِثْلُ الْعُصْفُورِ وَالْحَمَامِ وَمَا أَشْبَهَهُمَا يَجِبُ فِيهِ الْقِيمَةُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ، وَإِذَا وَجَبَتْ الْقِيمَةُ كَانَ قَوْلُهُ: كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ) وَالشَّافِعِيُّ يَعْتَبِرُ الْمُمَاثَلَةَ مِنْ حَيْثُ الصِّفَاتُ فَأَوْجَبَ فِي الْحَمَامِ شَاةً لِمُشَابَهَةٍ بَيْنَهُمَا (مِنْ حَيْثُ إنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا يَعُبُّ وَيَهْدُرُ) الْعَبُّ مِنْ بَابِ طَلَبَ: أَيْ: يَشْرَبُ الْمَاءَ بِمَرَّةٍ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْطَعَ الْجَرْعَ، قَالَهُ أَبُو عَمْرٍو، وَالْحَمَامُ يَشْرَبُ هَكَذَا بِخِلَافِ سَائِرِ الطُّيُورِ فَإِنَّهَا تَشْرَبُ شَيْئًا فَشَيْئًا، وَيُقَالُ: هَدَرَ الْبَعِيرُ وَالْحَمَامُ إذَا صَوَّتَ مِنْ بَابِ ضَرَبَ.
(وَلِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ أَنَّ) اللَّهَ تَعَالَى أَطْلَقَ الْمِثْلَ، وَ (الْمِثْلَ الْمُطْلَقَ هُوَ الْمِثْلُ صُورَةً وَمَعْنًى وَلَا يُمْكِنُ الْحَمْلُ عَلَيْهِ) لِخُرُوجِ مَا لَيْسَ لَهُ مِثْلٌ صُورِيٌّ مِنْ تَنَاوُلِ النَّصِّ، وَفِي ذَلِكَ إهْمَالُهُ عَنْ حُكْمِ الشَّرْعِ فَحُمِلَ عَلَى الْمِثْلِ مَعْنًى لِكَوْنِهِ مَعْهُودًا فِي الشَّرْعِ كَمَا فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، أَوْ لِكَوْنِ الْمِثْلِ الْمَعْنَوِيِّ مُرَادًا بِالْإِجْمَاعِ فِيمَا لَا مِثْلَ لَهُ صُورَةً فَلَا يَكُونُ غَيْرُهُ مُرَادًا وَإِلَّا لَزِمَ عُمُومُ الْمُشْتَرَكِ، أَوْ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ، وَكِلَاهُمَا غَيْرُ جَائِزٍ هَذَا مَا قَالُوا. وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ الْمِثْلَ لَيْسَ بِمُشْتَرَكٍ بَيْنَ الْمِثْلِ صُورَةً وَبَيْنَهُ مَعْنًى، وَلَا هُوَ حَقِيقَةٌ فِي أَحَدِهِمَا