وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 196] ؛ وَلِأَنَّ شَرْعَهُمَا لِلتَّرَفُّهِ بِإِسْقَاطِ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ شَرْعَهُمَا) دَلِيلٌ مَعْقُولٌ لَنَا، وَتَقْرِيرُ شَرْعِ الْمُتْعَةِ وَالْقِرَانِ لِأَجْلِ التَّرَفُّهِ (بِإِسْقَاطِ إحْدَى السُّفْرَتَيْنِ) وَهُوَ ظَاهِرٌ، وَالتَّرَفُّهُ بِذَلِكَ فِي حَقِّ الْآفَاقِيِّ؛ لِأَنَّ غَيْرَهُ لَا يُشَقُّ عَلَيْهِ هَذَا السَّفَرُ لِقُرْبِهِ حَتَّى يُتْرِفَهُ. وَاعْتُرِضَ بِوَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا أَنَّ النَّصَّ إنْ كَانَ يَقْتَضِي مَا ذَكَرْتُمْ عَلَى مَا زَعَمْتُمْ لَكِنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى النَّفْيِ عَمَّا عَدَاهُ. وَالثَّانِي أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَعَ الْقِرَانَ وَالْمُتْعَةَ إبَانَةً لِنَسْخِ مَا كَانَ عَلَيْهِ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَحْرِيمِهِمْ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ، وَالنَّسْخُ يَثْبُتُ فِي حَقِّ النَّاسِ كَافَّةً، وَرُجُوعُ الْإِشَارَةِ إلَى مَا ذَكَرْتُمْ يُنَافِي ذَلِكَ. وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ كَمَا أَنَّهُ لَا يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْحُكْمِ عَمَّا عَدَاهُ لَا يَدُلُّ عَلَى ثُبُوتِهِ لَهُ أَيْضًا، وَالْأَصْلُ فِيهِ الْعَدَمُ فَيَبْقَى إلَى أَنْ يَدُلَّ الدَّلِيلُ عَلَى خِلَافِهِ. وَعَنْ الثَّانِي بِأَنَّ النَّسْخَ ثَابِتٌ عِنْدَنَا فِي حَقِّ الْمَكِّيِّ أَيْضًا، حَتَّى لَوْ اعْتَمَرَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ جَازَ بِلَا كَرَاهَةٍ، وَلَكِنْ لَا يُدْرِكُ فَضِيلَةَ التَّمَتُّعِ؛ لِأَنَّ الْإِلْمَامَ قَطَعَ مُتْعَتَهُ كَمَا قَطَعَ مُتْعَةَ الْآفَاقِيِّ إذَا رَجَعَ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ إلَى أَهْلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ يُسْتَدَلُّ بِهِ عَلَى بُطْلَانِ الْمُتْعَةِ لَا عَلَى عَدَمِ إدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ. وَالصَّوَابُ أَنْ يُقَالَ: