وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ، وَكَذَلِكَ إذَا أَرَادَ أَنْ يُفْرِدَ بِالْعُمْرَةِ فَعَلَ مَا ذَكَرْنَا، هَكَذَا فَعَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ. وَقَالَ مَالِكٌ: لَا حَلْقَ عَلَيْهِ، إنَّمَا الْعُمْرَةُ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ، وَحُجَّتُنَا عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا. وقَوْله تَعَالَى {مُحَلِّقِينَ رُءُوسَكُمْ} [الفتح: 27] الْآيَةَ. نَزَلَتْ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّهَا لَمَّا كَانَ لَهَا تَحَرُّمٌ بِالتَّلْبِيَةِ كَانَ لَهَا تَحَلُّلٌ بِالْحَلْقِ كَالْحَجِّ (وَيَقْطَعُ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِالطَّوَافِ) وَقَالَ مَالِكٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: كُلَّمَا وَقَعَ بَصَرُهُ عَلَى الْبَيْتِ؛ لِأَنَّ الْعُمْرَةَ زِيَارَةُ الْبَيْتِ وَتَتِمُّ بِهِ.
وَلَنَا «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ» وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الطَّوَافُ فَيَقْطَعُهَا عِنْدَ افْتِتَاحِهِ، وَلِهَذَا يَقْطَعُهَا الْحَاجُّ عِنْدَ افْتِتَاحِ الرَّمْيِ.
قَالَ (وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ حَالًّا) ؛ لِأَنَّهُ حَلَّ مِنْ الْعُمْرَةِ، قَالَ (فَإِذَا كَانَ
ـــــــــــــــــــــــــــــQقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ: هَذَا التَّخْيِيرُ إنَّمَا كَانَ لَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَعْرُهُ مُلَبَّدًا أَوْ مَعْقُوصًا أَوْ مُضَفَّرًا. وَأَمَّا إذَا كَانَ مُلَبَّدًا فَإِنَّهُ لَا يَتَخَيَّرُ؛ لِأَنَّ التَّقْصِيرَ لَا يَتَهَيَّأُ إلَّا بِالْقَصِّ وَذَلِكَ مُتَعَذِّرٌ فَيَتَعَيَّنُ الْحَلْقُ. وَقَوْلُهُ: (وَهَذَا هُوَ تَفْسِيرُ الْعُمْرَةِ) أَيْ: لَيْسَ لَهَا طَوَافُ الْقُدُومِ وَالصَّدْرِ؛ لِأَنَّ مُعْظَمَ الرُّكْنِ فِيهَا هُوَ الطَّوَافُ، وَمَا هُوَ كَذَلِكَ لَا يَتَكَرَّرُ كَالْوُقُوفِ فِي الْحَجِّ. وَقَوْلُهُ: (وَتَتِمُّ بِهِ) أَيْ: تَتِمُّ زِيَارَةُ الْبَيْتِ بِوُقُوعِ الْبَصَرِ عَلَى الْبَيْتِ، وَلِأَنَّ الطَّوَافَ رُكْنٌ فِي الْعُمْرَةِ كَطَوَافِ الزِّيَارَةِ فِي الْحَجِّ، فَكَمَا تُقَدَّمُ قَطْعُ التَّلْبِيَةِ هُنَاكَ عَلَى الِاشْتِغَالِ بِالطَّوَافِ فَكَذَلِكَ هَاهُنَا، (وَلَنَا) حَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ قَطَعَ التَّلْبِيَةَ حِينَ اسْتَلَمَ الْحَجَرَ الْأَسْوَدَ» . وَقَوْلُهُ: (وَلِأَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الطَّوَافُ) بَيَانُهُ أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ نُسُكٌ مَقْصُودٌ فِي هَذَا الْيَوْمِ فَكَانَ كَالرَّمْيِ فِي كَوْنِهِ نُسُكًا مَقْصُودًا فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ؛ فَكَمَا أَنَّ التَّلْبِيَةَ تُقْطَعُ عِنْدَ افْتِتَاحِ الرَّمْيِ تُقْطَعُ عِنْدَ افْتِتَاحِ هَذَا الطَّوَافِ بِجَامِعِ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا أَوَّلُ نُسُكٍ مَقْصُودٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ. فَإِنْ قِيلَ: فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْطَعَ الْمُفْرِدُ بِالْحَجِّ التَّلْبِيَةَ إذَا ابْتَدَأَ بِطَوَافِ الْقُدُومِ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ نُسُكٍ مَقْصُودٍ فِي هَذَا الْيَوْمِ. فَالْجَوَابُ أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ مَقْصُودٌ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا يَكُونُ وَاجِبًا، وَطَوَافُ الْقُدُومِ لَيْسَ كَذَلِكَ. سَلَّمْنَاهُ وَلَكِنْ ثَبَتَ بِالنَّصِّ عَلَى خِلَافِ الْقِيَاسِ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - أَرْدَفَ الْفَضْلَ مِنْ مُزْدَلِفَةَ إلَى مِنًى، فَلَمْ يَزَلْ يُلَبِّي حَتَّى رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ» قَالَ: (وَيُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا) الْمُتَمَتِّعُ إذَا حَلَّ مِنْ عُمْرَتِهِ يُقِيمُ بِمَكَّةَ حَلَالًا، (فَإِذَا كَانَ