وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ، وَالْحَلْقُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ فَلَا تَرْجِيحَ بِمَا ذُكِرَ.
وَالْمَقْصِدُ بِمَا رُوِيَ نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ. وَلِلْقِرَانِ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ. ثُمَّ فِيهِ تَعْجِيلُ الْإِحْرَامِ وَاسْتِدَامَةُ إحْرَامِهِمَا مِنْ الْمِيقَاتِ إلَى أَنْ
ـــــــــــــــــــــــــــــQيُكَرِّرُ التَّلْبِيَةَ مَرَّةً بَعْدَ أُخْرَى، فَكَذَلِكَ الْقَارِنُ فَيَجُوزُ أَنْ تَقَعَ تَلْبِيَةُ الْقَارِنِ أَكْثَرَ مِنْ تَلْبِيَةِ الْمُفْرَدِ. وَقَوْلُهُ (وَالسَّفَرُ غَيْرُ مَقْصُودٍ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ وَالسَّفَرُ.
وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ هُوَ الْحَجُّ وَالسَّفَرُ وَسِيلَةٌ إلَيْهِ فَلَا يُوجِبُ عَدَمُهُ نَقْصًا فِي الْحَجِّ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ يَتَقَدَّمُ عَلَى الْإِحْرَامِ فَعَدَمُهُ لَا يُوجِبُ نَقْصًا فِيهِ. وَقَوْلُهُ (وَالْحَلْقُ خُرُوجٌ عَنْ الْعِبَادَةِ) يَعْنِي فَلَا يُؤَثِّرُ فِيهَا لِيَتَرَجَّحَ بِهِ.
وَقَوْلُهُ (وَالْمَقْصِدُ بِمَا رُوِيَ) يَعْنِي قَوْلَهُ - عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - «الْقِرَانُ رُخْصَةٌ» (نَفْيُ قَوْلِ أَهْلِ الْجَاهِلِيَّةِ: إنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ مِنْ أَفْجَرِ الْفُجُورِ) أَيْ مِنْ أَسْوَإِ السَّيِّئَاتِ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالرُّخْصَةِ مَا هُوَ الْمُصْطَلَحُ لِأَنَّ الْقِرَانَ عَزِيمَةٌ، وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِهِ التَّوْسِعَةُ وَذَلِكَ لِأَنَّ أَشْهُرَ الْحَجِّ قَبْلَ الْإِسْلَامِ كَانَتْ لِلْحَجِّ، فَأَدْخَلَ اللَّهُ تَعَالَى الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ إسْقَاطًا لِلسَّفَرِ الْجَدِيدِ عَنْ الْغُرَبَاءِ، فَكَانَ اجْتِمَاعُهُمَا فِي وَقْتٍ وَاحِدٍ تَوْسِعَةً عَلَى النَّاسِ فَسَمَّاهُ رُخْصَةً. وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهَا الْمُصْطَلَحُ وَيَكُونُ رُخْصَةَ إسْقَاطٍ كَشَطْرِ الصَّلَاةِ فِي السَّفَرِ، وَالرُّخْصَةُ فِي مِثْلِهِ عَزِيمَةٌ عِنْدَنَا. وَقَوْلُهُ (وَلِلْقِرَانِ ذِكْرٌ فِي الْقُرْآنِ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِ مَالِكٍ (لِأَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا مِنْ دُوَيْرَةِ أَهْلِهِ عَلَى مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ) يَعْنِي فِي فَصْلِ الْمَوَاقِيتِ. وَقَوْلُهُ (ثُمَّ فِيهِ) أَيْ فِي الْقِرَانِ شُرُوعٌ فِي التَّرْجِيحِ بَعْدَ تَمَامِ الْجَوَابِ. فَإِنْ قِيلَ: الْمَأْمُورُ بِالْحَجِّ إذَا قَرَنَ يَصِيرُ مُخَالِفًا، وَلَوْ كَانَ الْقِرَانُ أَفْضَلَ لَمَا كَانَ مُخَالِفًا، لِأَنَّهُ