السمعة: كالذي يحكى عن العجاج أنه قيل له: لم لا تهجو؟ فقال: ولم أهجو؟ إن لنا أحساباً تمنعنا من أن نظلم، وأحلاما تمنعنا من أن نظلم، وهل رأيتم بانياً لا يحسن أن يهدم؟ ثم قال: أتعلمون أني أحسن أن أمدح؟ قالوا: نعم، قال:

أفلا أحسن أن أجعل مكان " أصلحك الله " " قبحك الله " ومكان " حياك الله " " أخزاك الله ". وقد رد ابن قتيبة هذا القول على العجاج بأن الهجاء أيضاً بناء، وليس كل بان لضرب بانياً لغيره. ورده الجاحظ بأن من الشعراء من لا يجيد فناً من الشعر، وإن أجاد فناً غيره، كما يوجد ذلك في كل صناعة. ومعنى الجاحظ وابن قتيبة واحد، وإن اختلف اللفظان، والصواب ما قالا إلا أن يعرف من الشاعر أنف عن قدرة لا تدفع، وبعد تجربة لا تستراب، فحينئذ. وسئل نصيب عن مثل ذلك فقال: إنما الناس أحد ثلاثة: رجل لم أعرض لسؤاله فما وجه ذمه، ورجل سألته فأعطاني فالمدح أولى به من الهجاء، ورجل سألته فحرمني فأنا بالهجاء أولى منه، وهذا كلام عاقل منصف، لو أخذ به الشعراء أنفسهم لاستراحوا واستراح الناس.

وقد كان في زماننا من انتحل هذا المذهب، وهو أبو محمد عبد الكريم بن إبراهيم، لم يهج أحداً قط. ومن أناشيده في كتابه المشهور، لغيره من الشعراء:

ولست بهاج في القرى أهل منزل ... على زادهم أبكي وأبكي البواكيا

فإما كرام موسرون أتيتهم ... فحسبي من ذو عندهم ما كفانيا

وإما كرام معسرون عذرتهم ... وإما لئام فادخرت حيائيا

وهذا مثل كلام نصيب في المنثور الذي تقدم، وإنما ذكرت هؤلاء لأنهم

طور بواسطة نورين ميديا © 2015