وقوله ولم أسمع أحسن منه في معناه:
وما يعتريها آفة بشرية ... من النوم إلا أنها تتبختر
وغير عجيب طيب أنفاس روضة ... منورة باتت تراح وتمطر
كذلك أنفاس الرياض بسحرة ... تطيب، وأنفاس الورى تتغير
ولا بد أن يؤتى على الشاعر المفلق، والعالم المتقن؛ لما بني عليه الإنسان من النقص والتقصير، وخير ما في ذلك أن يرجع المرء إلى الحق إذا سمعه، ولا يتمادى على الباطل لجاجة وانفة من الخطأ؛ فإن تماديه زيادة في الخطأ الذي أنف منه.
أخبرنا أبو عبد الله محمد بن جعفر النحوي، عن أبي علي الآمدي، عن علي بن سليمان الأخفش، عن محمد بن يزيد المبرد، قال: تلاحى مسلم بن الوليد وأبو نواس، فقال مسلم: ما أعلم بيتاً لك يخلو عن سقط، فقال أبو نواس: اذكر شيئاً من ذلك، فقال: بل أنشد أنت أي بيت شئت، فأنشد أبو نواس:
ذكر الصبوح بسحرة فارتاحا ... وأمله ديك الصباح صياحا
فقال مسلم: قف عند هذا، لم أمله ديك الصباح، وهو يبشره بالصبوح، وهو الذي يرتاح إليه؟ فقال أبو نواس: فأنشدني أنت، فأنشده:
عاصى الشباب فراح غير مفند ... وأقام بين عزيمه وتجلد
فقال أبو نواس:
ناقضت، ذكرت أنه راح، والرواح لا يكون إلا بالانتقال من مكان إلى مكان، ثم قلت وأقام فجعلته منتقلاً مقيماً في حال، هذا متناقض.