كان الأعشى أسير الناس شعراً، وأعظمهم فيه حظاً، حتى كاد ينسى الناس أصحابه المذكورين معه؛ ومثله زهير، والنابغة، وامرؤ القيس؛ وكان جرير نابغة الشعر مظفراً، قال الأخطل للفرزدق: أنا والله أشعر من جرير، غير أنه رزق من سيرورة الشعر ما لم أرزقه، وقد قلت بيتاً لا أحسب أن أحداً قال أهجى منه، وهو:
قوم إذا استنبح الأضياف كلبهم ... قالوا لأمهم: بولي على النار
وقال هو:
والتغلبي إذا ننحنح للقرى ... حك استه وتمثل الأمثالا
فلم يبق سقاء ولا أمة حتى روته. قال الأصمعي: فحكما له بسيرورة الشعر قال الحسين بن الضحاك الخليع: أنشدت أبا نواس قولي:
وشاطري اللسان مختلق الت ... كريه شاب المجون بالنسك
إلى أن بلغت إلى قولي:
كأنما نصب كأسه قمر ... يكرع في بعض أنجم الفلك
فنفر نفرة منكرة، فقلت: مالك فقد أفزعتني؟!! فقال: هذا معنى مليح وأنا أحق به، وسترى لمن يروى، ثم أنشدني بعد أيام:
إذا عب فيها شارب القوم خلته ... يقبل في داج من الليل كوكبا
فقلت: هذه مصالته يا أبا علي، فقال: أتظن أنه يروى لك معنى مليح وأنا في الحياة؟!! وأنت ترى سيرورة بيت أبي نواس كيف نسي معها بيت الخليع، على أن له فضل السبق، وفيه زيادة ذكر القمر، وقد أربى ابن الرومي عليهما جميعاً بقوله: