كانت القبيلة من العرب إذا نبغ فيها شاعر أتت القبائل فهنأتها، وصنعت الأطعمة، واجتمع النساء يلعبن بالمزاهر، كما يصنعون في الأعراس، ويتباشر الرجال والولدان؛ لأنه حماية لأعراضهم، وذب عن أحسابهم، وتخليد لمآثرهم، وإشادة بذكرهم. وكانوا لا يهنئون إلا بغلام يولد، أو شاعر ينبغ فيهم، أو فرس تنتج: فممن حمى قبيلته زياد الأعجم، وذلك أن الفرزدق هم بهجاء عبد القيس، فبلغ ذلك زياداً وهو منهم، فبعث إليه: لا تعجل وأنا مهد إليك هدية، فانتظر الفرزدق الهدية، فجاءه من عنده:
فما ترك الهاجون لي إن هجوته ... مصحاً أراه في أديم الفرزدق
ولا تركوا عظماً يرى تحت لحمه ... لكاسره أبقوه للمتعرق
سأكسر ما أبقوا له من عظامه ... وأنكت مخ الساق منه وانتقي
فأنا وما تهدي لنا إن هجوتنا ... لكالبحر مهما يلق في البحر يغرق
فلما بلغته الأبيات كف عما أراد، وقال: لا سبيل إلى هجاء هؤلاء ما عاش هذا العبد فيهم.
وهجا عبد الله بن الزبعري السهمي بني قصي، فرفعوه برمته إلى عتبة بن ربيعة؛ خوفاً من هجاء الزبير بن عبد المطلب، وكان شاعراً مفلقاً شديد العارضة مقذع الهجاء، فلما وصل عبد الله إليهم أطلقه حمزة بن عبد المطلب وكساه، فقال:
لعمرك ما جاءت بنكر عشيرتي ... وإن صالحت إخوانها لا ألومها
فرد جناة الشر؛ إن سيوفنا ... بأيماننا مسلولة لا نشيمها
فإن قصياً أهل مجد وعزة ... وأهل فعال لا يرام قديمها
هم منعوا يومي عكاظ نساءنا ... كما منع الشول الهجان قرومها