كأنك خياط يقطع الثياب على مقادير الأجسام، وإذا عارضك الضجر فأرح نفسك، ولا تعمل إلا وأنت فارغ القلب، واجعل شهوتك لقول الشعر الذريعة إلى حسن نظمه؛ فإن الشهوة نعم المعين، وجملة الحال أن تعتبر شعرك بما سلف من شعر الماضين: فما استحسنته العلماء فاقصده، وما تركوه فاجتنبه، ترشد إن شاء الله تعالى.

قال صاحب الكتاب: قد كنت أردت ذكر هذا الفصل فيما تقدم من باب عمل الشعر وشحذ القريحة له، فلم أثق بحفظي فيه، حتى صححته فأثبته بمكانه من هذا الباب.

ومن قول الناشئ في معنى شعره الأول:

الشعر ما قومت زيغ صدوره ... وشددت بالتهذيب أسر متونه

ورأيت بالإطناب شعب صدوعه ... وفتحت بالإيجاز عور عيونه

وجمعت بين قريبه وبعيده ... ووصلت بين مجمه ومعينه

فإذا بكيت به الديار وأهلها ... أجريت للمحزون ماء شؤونه

وإذا مدحت به جواداً ماجداً ... وفيته بالشكر حق ديونه

أصفيته بنفيسه ورصينه ... وخصصته بخطيره وثمينه

فيكون جزلاً في اتساق صنوفه ... ويكون سهلاً في اتفاق فنونه

فإذا أردت كناية عن رتبة ... باينت بين ظهوره وبطونه

فجعلت سامعه يشوب شكوكه ... ببيانه وظنونه بيقينه

وإذا عتبت على أخٍ في زلةٍ ... أدمجت شدته له في لينه

فتركته مستأنساً بدماثة ... مستيئساً لوعوثه وحزونه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015