فيا لك من ليل كأن نجومه ... بكل مغار الفتل شدت بيذبل
كأن الثريا علقت في مصامها ... بأمراس كتان إلى صم جندل
فالبيت الأول يغني عن الثاني، والثاني يغني عن الأول، ومعناهما واحد؛ لأن النجوم تشتمل على الثريا، كما أن بذبل يشتمل على صم الجندل، وقوله " شدت بكل مغار الفتل " ومثل قوله " علقت بأمراس كتان " ويقرب من ذلك وليس به قول كثير:
وإني وتهيامي بعزة بعدما ... تخليت مما بيننا وتخلت
لكالمرتجى ظل الغمامة كلما ... تبوأ منها للمقيل اضمحلت
كأني وإياها سحابة ممحل ... رجاها فلما جاوزته استهلت
إلا أن كثيراً تصرف، فجعل رجاء الأول ظل الغمامة ليقيل تحتها من حرارة الشمس فاضمحلت وتركته ضاحياً، وجعل الممحل في البيت الثاني يرجو سحابة ذات ماء فأمطرت بعد ما جاوزته.
ومن مليح هذا االباب ما أنشدنيه شيخنا أبو عبد الله محمد بن جعفر لابن المعتز، وهو قوله:
لساني لسري كتوم كتوم ... ودمعي بحبي نموم نموم
ولي مالك شفني حبه ... بديع الجمال وسيم وسيم
له مقلتا شادنٍ أحورٍ ... ولفظ سحور رخيم رخيم
فدمعي عليه سجوج سجوم ... وجسمي عليه سقيم سقيم
ذكر ابن المعتز أن الجاحظ سمى هذا النوع المذهب الكلامي.
قال ابن المعتز: وهذا باب ما علمت أني وجدت منه في القرآن شيئاً، وهو ينسب إلى التكلف، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.