وإذا نظرت إلى قول أبي صخر:
تكاد يدي تندى إذا ما لمستها ... وينبت في أطرافها الورق النضر
وقول أبي الطيب:
عجبت من أرض سحاب أكفهم ... من فوقها وصخورها لا تورق
لم يخف عنك وجه الحكم فيهما، على أن في قول أبي الطيب بعض الملاحة والمخالطة لطبعه في حب الإفراط وقلة المبادرة فيه؛ إذ كان ممكناً أن يقول: إن الصخور أورقت، ولغة القرآن أفصح اللغات، وأنت تسمع قول الله تعالى: " يكاد البرق يخطف أبصارهم " وقوله: " إذا أخرج يده لم يكد يراها " وقوله: " يكاد زينتها يضيء ولو لم تمسسه نار ".
واشتقاق الغلو من المبالغة، ومن غلوة السهم، وهي مدى رميته، يقال: غاليت فلاناً مغالاة وغلاء، إذا اختبرتما أيكما أبعد غلوة سهم، ومنه قول النبي عليه الصلاة السلام: " جرى المذكيات غلاء " وقد جاء في حديث داحس " غلاء " و " غلاب " بالياء ايضاً، وإذا قلت: غلا السعر غلاء، فإنما تريد أنه ارتفع وزاد على ما كان، وكذلك غلت القدر غلياً أو غلياناً، إنما هو أن يجيش ماؤها ويرتفع، والإغراق أيضاً أصله في الرمي، وذلك أن تجذب السهم في الوتر عند النزع حتى تستغرق جميعه بينك وبين حنية القوص، وإنما تفعل ذلك لبعد الغرض الذي ترميه، وهذه التسمية تدل على ما نحوت إليه وأشرت نحوه.