فتى شقيت أمواله بعفاته ... كما شقيت قيس بأرماح تغلب
فهذا مليح: أوله خروجه، وآخره استطراد، وملاحته أن مالكاً من بني تغلب فصار الاستطراد زيادة في مدحه، وزعم قوم أنه يمدح مالك بن علي الخزاعي، ومما استطرد أبو الطيب في هجاء كافور:
يموت به غيظاً على الدهر أهله ... كما مات غيظاً فاتك وشبيب
على أن هذا البيت قد يقع موقع غيره من أبيات هذا الباب؛ إذ ليس القصد فيه مدحاً ولا هجاء للرجلين المذكورين، ولكن التشبيه والحكاية لا غير.
وقيل: أصل الاستطراد أن يريك الفارس أنه فر ليكر، وكذلك الشاعر يريد أنه في شيء لم يقصد إليه فذكره ولم يقصد قصده حقيقة إلا إليه.
ومن الاستطراد نوع يسمى الاندماج، وذلك نحو قول عبيد الله بن طاهر لعبد الله بن سليمان بن وهب حين وزر المعتضد:
أبي الدهر من إسعافنا في نفوسنا ... وأسعفنا فيمن نحب ونكرم
فقلت له: نعماك فيهم أتمها ... ودع أمرنا؛ إن المهم المقدم
وحكى أحمد بن يوسف الكاتب أنه دخل على المأمون وفي يده كتاب من عمرو بن مسعدة يردد فيه النظر، فقال: لعلك فكرت في ترديدي النظر في هذا الكتاب، قال: نعم يا أمير المؤمنين، قال: إني عجبت من بلاغته واحتياله لمراده " كتبت كتابي إلى أمير المؤمنين أعزه الله ومن قبلي من قواده وأجناده في الطاعة والانقياد على أحسن ما يكون عليه طاعة جند تأخرت أرزاقهم واختلت أحوالهم " ألا ترى يا أحمد إدماجه المسألة في الإخبار، وإعفاءه سلطانه من