الموصوفة؛ فكم في سقط الشعر من أمثالها ونظرائها لا يعبأ به، ولا ينظر إليه، فإذا أخذه سلك الوزن، وعقد القافية؛ تألفت أشتاته، وازدوجت فرائده وبناته، واتخذ اللابس جمالاً، والمدخر مالاً فصار قرطة الآذان، وقلائد الأعناق، وأماني النفوس، وأكاليل الرءوس، يقلب بالألسن، ويخبأ في القلوب، مصوناً باللب، ممنوعاً من السرقة والغضب.
وقد اجتمع الناس على أن المنثور في كلامهم أكثر، وأقل جيداً محفوظاً، وأن الشعر أقل، وأكثر جيداً محفوظاً؛ لأن في أدناه من زينة الوزن والقافية ما يقارب به جيد المنثور.
وكان الكلام كله منثوراً فاحتاجت العرب إلى الغناء بمكارم أخلاقها، وطيب أعراقها، وذكر أيامها الصالحة، وأوطانها النازحة، وفرسانها الأمجاد، وسمحائها الأجواد؛ لتهز أنفسها إلى الكرم، وتدل أبناءها على حسن الشيم فتوهموا أعاريض جعلوها موازين الكلام، فلما تم لهم وزنه سموه شعراً؛ لأنهم شعروا به، أي: فطنوا.
وقيل: ما تكلمت به العرب من جيد المنثور أكثر مما تكلمت به من جيد الموزون؛ فلم يحفظ من المنثور عشره، ولا ضاع من الموزون عشره.
ولعل بعض الكتاب المنتصرين للنثر، الطاعنين على الشعر، يحتج بأن القرآن كلام الله تعالى منثور، وأن النبي صلى الله عليه وسلم غير شاعر؛ لقول الله تعالى: " وما علمناه الشعر، وما ينبغي له " ويرى أنه قد أبلغ في الحجة، وبلغ في الحاجة، والذي عليه في ذلك أكثر مما له؛ لأن الله تعالى إنما بعث رسوله أمياً غير شاعر إلى قوم يعلمون منه حقيقة ذلك، حين استوت الفصاحة، واشتهرت البلاغة؛ آية للنبوة، وحجة على الخلق، وإعجازاً للمتعاطين، وجعله منثوراً ليكون أظهر برهاناً لفضله على الشعر الذي من عادة صاحبه أن يكون