أن يكون أيضاً خالياً مغسولاً من هذه الحلي فارغاً ككثير من شعر أشجع وأشباهه من هؤلاء المطبوعين جملة، مع أنه لا بد لكل شاعر من طريقة تغلب عليه فينقاد إليها طبعه، ويسهل عليه تناولها: كأبي نواس في الخمر، وأبي تمام في التصنيع، والبحتري في الطيف، وابن المعتز في التشبيه، وديك الجن في المراثي، والصنوبري في ذكر النور والطير، وأبي الطيب في الأمثال وذم الزمان وأهله. وأما ابن الرومي فأولى الناس باسم شاعر؛ لكثرة اختراعه، وحسن افتتانه، وقد غلب عليه الهجاء حتى شهر به؛ فصار يقال: أهجى من ابن الرومي، ومن أكثر من شيء عرف به، وليس هجاء ابن الرومي بأجود من مدحه ولا أكثر. ولكن قليل الشر كثير.

باب التشبيه

التشبيه: صفة الشيء بما قاربه وشاكله، ومن جهة واحدة أو جهات كثيرة لا من جميع جهاته؛ لأنه لو ناسبه مناسبة كلية لكان إياه، ألا ترى أن قولهم " خذ كالورد " إنما أرادوا حمرة أوراق الورد وطراوتها، لا ما سوى ذلك من صفرة وسطه وخضرة كمائمه، وكذلك قولهم " فلان كالبحر، أو كالليث " إنما يريدون كالبحر سماحة وعلماً، وكالليث شجاعة وقرما، وليس يريدون ملوحة البحر وزعوقته، ولا شتامة الليث وزهوقته؛ فوقوع التشبيه إنما هو أبداً على الأعراض لا على الجواهر؛ لأن الجواهر في الأصل كلها واحد، اختلفت أنواعها أو اتفقت؛ فقد يشبهون الشيء بسميه ونظيره من غير جنسه، كقولهم " عين كعين المهاة، وجيد كجيد الريم " فاسم العين واقع على هذه الجارحة من الإنسان والمهاة، واسم الجيد واقع على هذا العضو من الإنسان والريم، والكاف للمقاربة، وإنما يريدون أن هذه العين لكثرة سوادها قاربت أن تكون سوداء كلها كعين المهاة، وأن هذا الجيد لانتصابه وطوله كجيد الريم، ألا ترى أن الأصمعي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015