ذلك، وقد استفرغ أبو عثمان الجاحظ وهو علامة وقته الجهد وصنع كتاباً لا يبلغ جودة وفضلاً، ثم ما ادعى إحاطة بهذا الفن لكثرته وأن كلام الناس لا يحيط به إلا الله عز وجل.
قال أبو عثمان الجاحظ: أجود الشعر ما رأيته متلاحم الأجزاء، سهل المخارج، فتعلم بذلك أنه أفرغ إفراغاً واحداً، وسبك سبكاً واحداً؛ فهو يجري على اللسان كما يجري الدهان.
وإذا كان الكلام على هذا الأسلوب الذي ذكره الجاحظ لذ سماعه، وخف محتمله، وقرب فهمه، وعذب النطق به، وحلي في فم سامعه، فإذا كان متنافراً متبايناً عسر حفظه، وثقل على اللسان النطق به، ومجته المسامع فلم يستقر فيها منه شيء.
وأنشد الجاحظ قال: أنشدني أبو العاصي قال: أنشدني خلف:
وبعض قريض القوم أبناء علةٍ ... يكد لسان الناطق المتحفظ
وأنشد عنه أبي البيداء الرياحي:
وشعرٍ كبعر الكبش فرق بينه ... لسان دعي في القريض دخيل
واستحسن أن يكون البيت بأسره كأنه لفظة واحدة لخفته وسهولته، واللفظة كأنها حرف واحد، وأنشد قول الثقفي:
من كان ذ عضدٍ يدرك ظلامة ... إن الذليل الذي ليست له عضد
تنبو يداه إذا ما قل ناصره ... ويأنف الضيم إن أثرى له عدد