جللاً كما بي فليك التبريح.
وهو يتغنى ويصنع، فإذا توقف بعض التوقف رجع بالإنشاد من أول القصيدة إلى حيث انتهى منها.
وقال بعضهم: من أراد أن يقول الشعر فليعشق فإنه يرق، وليرو فإنه يدل، وليطمع فإنه يصنع. وقالوا: الحيلة لكلال القريحة انتظار الحمام، وتصيد ساعات النشاط، وهذا عندي أنجع الأقوال، وبه أقول، وإليه أذهب..
وقال بكر بن عبد الله المزني: لا تكدوا القلوب ولا تهملوها، وخير الفكر ما كان في عقب الحمام، ومن أكره بصره عشي، واشحذوا القلوب بالذاكرة ولا تيأسوا من إصابة الحكمة إذا منحتم ببعض الاستغلاق، فإن من أدمن قرع الباب وصل.
وقال الخليع: من لم يأت شعره من الوحدة فليس بشاعر، قالوا: يريد الخلوة، وربما أراد الغربة، كما قال ديك الجن: ما أصفى شاعر مغترب قط.
ومما لا يسع تركه في هذا الموضع صحيفة كتبها بشر بن المعتمر، ذكر فيها البلاغة، ودل على مظان الكلام والفصاحة، يقول فيها:
خذ من نفسك ساعة فراغك، وفراغ بالك، وإجابتها إياك، فإن قلبك تلك الساعة أكرم جوهراً، وأشرف حساً، وأحسن في الأسماع، وأحلى في الصدور، وأسلم من فاحش الخطأ، وأجلب لكل عين وغرة من لفظ شريف ومعنى بديع، واعلم أن ذلك أجدى عليك مما يعطيك يومك الأطول بالكد والمجاهدة، وبالتكلف والمعاندة، ومهما أخطأك لم يخطئك أن يكون مقبولاً قصداً، أو خفيفاً على اللسان سهلاً