وليجعل طلبه أولاً للسلامة، فإذا صحت له طلب التجويد حينئذ، وليرغب في الحلاوة والطلاوة رغبته في الجزالة والفخامة، وليجتنب السوقي القريب، والحوشي الغريب، حتى يكون شعره حالاً بين حالين كما قال بعض الشعراء:

عليك بأوساط الأمور؛ فإنها ... نجاة، ولا تركب ذلولا ولا صعبا

فأول ما يحتاج إليه الشاعر بعد الجد الذي هو الغاية، وفيه وحده الكفاية حسن التأتي والسياسة، وعلم مقاصد القول؛ فإن نسب ذل وخضع، وإن مدح أطرى وأسمع، وإن هجا أخل وأوجع، وإن فخر خب ووضع، وإن عاتب خفض ورفع، وإن استعطف حن ورجع، ولكن غايته معرفة أغراض المخاطب كائناً من كان؛ ليدخل إليه من بابه، ويداخله في ثيابه، فذلك هو سر صناعة الشعر ومغزاه الذي به تفاوت الناس وبه تفاضلوا..

وقد قيل:

لكل مقام مقال وشعر الشاعر لنفسه وفي مراده وأمور ذاته من مزح، وغزل، ومكاتبة، ومجون، وخمرية، وما أشبه ذلك غير شعره في قصائد الحفل التي يقوم بها بين السماطين: يقبل منه في تلك الطرائق عفو كلامه، وما لم يتكلف له بالاً، ولا ألقي به، ولا يقبل منه في هذه إلا ما طان محككاً، معاوداً فيه النظر، جيداً، لا غث فيه، ولا ساقط، ولا قلق؛ وشعره للأمير والقائد غير شعره للوزير والكاتب، ومخاطبته للقضاة والفقهاء بخلاف ما تقدم من هذه الأنواع.. وسيأتي هذا في موضعه من هذا الكتاب مفصلاً، إن شاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015