وللناس في ذلك كتب مشهورة، وتواليف مفردة، وبينهم فيه اختلاف، وليس كتابي هذا بمحتمل شرح ذلك، ولا هو من شرطه؛ فراراً من التكرار والتطويل، ولكني أذكر نتفاً يحتاج إليها، ويكتفي بها من نظر من المتعلمين في هذا الكتاب، إن شاء الله.
فأول من ألف الأوزان وجمع الأعاريض والضروب الخليل بن أحمد فوضع فيها كتاباً سماه العروض استخفافاً، والعروض: آخر جزء من القسم الأول من البيت، وهي مؤنثة، وتثنى وتجمع، إلا أن يكون لهذا الجنس من العلم، والضرب: آخر جزء من البيت من أي وزن كان.
ثم ألف الناس بعده، واختلفوا على مقادير استنباطاتهم، حتى وصل الأمر إلى أبي نصر إسماعيل بن حماد الجوهري، فبين الأشياء وأوضحها في اختصار، وإلى مذهبه يذهب حذاق أهل الوقت، وأرباب الصناعة: فأول ما خالف فيه أن جعل الخليل الأجزاء التي يوزن بها الشعر ثمانية: منها اثنان خماسيان، وهما: فعولن، وفاعلن، وستة سباعية، وهي: مفاعيلن، وفاعلاتن، ومستفعلن، ومفاعلتن، ومتفاعلن، ومفعولات، فنقص الجوهري منها جزء مفعولات، وأقام الدليل على أنه منقول من " مستفع لن " مفروق الوتد، أي: مقدم النون على اللام؛ لأنه زعم أنه لو كان جزءاً صحيحاً لتركب من مفرده بحر كما تركب من سائر الأجزاء. يريد أنه ليس في الأوزان وزن انفرد به مفعولات، ولا تكرر في قسم منه، وعد الخليل أجناس الأوزان فجعلها خمسة عشر جنساً، على أنه لم يذكر المتدارك، وهي عنده: الطويل، والمديد، والبسيط، في دائرة؛ دائرة ثم الوافر والكامل في دائرة: ثم الهزج، والرجز، والرمل، في دائرة؛ ثم السريع، والمنسرح، والخفيف، والمضارع، والمقتضب، والمجتث، في دائرة. ثم المتقارب وحده في دائرة.