ان الطيور لها غريزة العودة إلى الموطن، فعصفور الهزاز الذي عشش ببابك يهاجر جنوبا في الخريف، ولكنه يعود إلى عشه القديم في الربيع التالي. وفي شهر سبتمبر تطير أسراب معظم طيورنا إلى الجنوب، وقد تقطع في الغالب نحو الف ميل فوق عرض البحار، ولكنها لا تضل طريقها. والحمام الزاجل إذا تحير من جراء اصوات جديدة عليه في رحلة طويلة داخل قفص، يحوم برهة ثم يقصد قدما إلى موطنه دون ان يضل.. والنحلة تجد خليتها مهما طمست الريح في هبوبها على الاعشاب والاشجار، كل ذلك دليل يرى. وحاسة العودة إلى الوطن هذه هي ضعيفة في الانسان، ولكنه يكمل عتاده القليل منها بأدوات الملاحة. ونحن في حاجة إلى هذه الغريزة، وعقولنا تسد هذه الحاجة ولا بد ان للحشرات الدقيقة عيونا ميكروسكوبية لا ندري مبلغها من الاحكام، وان للصقور بصرا تلسكوبيا وهنا أيضاً يتفوق الإنسان بأدواته الميكانيكية. فهو بتلسكوبه يمكنه ان يبصر سديما بلغ من الضعف انه يحتاج إلى مضاعفة قوة ابصار مليوني مرة ليراه، وهو بميكروسكوبه الكهربي يستطيع ان يرى بكتريا كانت غير مرئية، (بل كذلك الحشرات الصغيرة التي تعضها) .

وانت إذا تركت حصانك العجوز وحده، فان يازم الطريق مهما اشتدت ظلمة الليل. وهو يقدر ان يرى ولو في غير وضوح، ولكنه يلحظ اختلاف درجة الحرارة في الطريق وجانبيه، بعينين تأثرتا قليلا بالاشعة تحت الحمراء التي للطريق. والبومة تستطيع ان تبصر الفأر الدافئ اللطيف وهو يجري على العشب البارد مهما تكن ظلمة الليل. ونحن نقلب الليل نهاراً باحداث اشعاع في تلك المجموعة التي نسميها بالضوء..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015