إن الرجل إذا خالفك بمقتضى الدليل عنده فإنه موافق لك في الحقيقة؛ لأن كلًّا منكما طالب للحقيقة وبالتالي فالهدف واحد وهو الوصول إلى الحق عن دليل، فهو إذن لم يخالفك ما دمت تقرّ أنه إنما خالفك بمقتضى الدليل عنده، فأين الخلاف؟ وبهذه الطريقة تبقى الأمة واحدة وإن اختلفت في بعض المسائل لقيام الدليل عندها، أما مَنْ عاند وكابر بعد ظهور الحق فلا شك أنه يجب أن يعامل بما يستحقه بعد العناد والمخالفة، ولكل مقام مقال.
الأمر الخامس: العمل بالعلم:
أن يعمل طالب العلم بعلمه عقيدة وعبادة، وأخلاقًا وآدابًا ومعاملةً؛ لأن هذا هو ثمرة العلم وهو نتيجة العلم، وحامل العلم كالحامل لسلاحه، إما له وإما عليه، ولهذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "القرآن حجة لك أو عليك" 1.
لك إن عملت به، وعليك إن لم تعمل به، وكذلك يكون العمل بما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم بتصديق الأخبار وامتثال الأحكام، إذا جاء الخبر من الله ورسوله فصدِّقه وخُذه بالقبول والتسليم ولا تقل: لِمَ؟ وكيف؟ فإن هذا طريقة غير المؤمنين فقد قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا} [الأحزاب: 36] .
والصحابة كان النبي صلى الله عليه وسلم يحدثهم بأشياء قد تكون غريبة وبعيدة عن أفهامهم، ولكنهم يتلقون ذلك بالقبول لا يقولون: لِمَ؟ وكيف؟ بخلاف ما عليه المتأخرون من هذه الأمة، نجد الواحد منهم إذا حُدِّث بحديث عن الرسول صلى الله عليه وسلم وحارَ عقله فيه نجده يورد على كلام الرسول صلى الله عليه وسلم الإيرادات التي تستشف منها أنه يريد الاعتراض لا الاسترشاد، ولهذا يُحال بينه وبين التوفيق، حتى يردّ هذا الذي جاء عن الرسول صلى الله عليه وسلم؛ لأنه لم يتلقه بالقبول والتسليم.