الدليل الثاني

المخلوق لا بدّ له من خالق

يحتجّ القرآن على المكذّبين المنكرين بحجة لا بدّ للعقول من الإقرار بها، ولا يجوز في منطق العقل السليم رفضها، يقول تعالى: (أم خلقوا من غير شيءٍ أم هم الخالقون - أم خلقوا السماوات والأرض بل لا يوقنون) [الطور: 35-36] .

يقول لهم: أنتم موجودون هذه حقيقة لا تنكروها، وكذلك السماوات والأرض موجودتان، ولا شك.

وقد تقرر في العقول أنّ الموجود لا بدّ من سبب لوجوده، وهذا يدركه راعي الإبل في الصحراء، فيقول: " البعرة تدلّ على البعير، والأثر يدلّ على المسير، فسماء ذات أبراج وأرض ذات فجاج، ألا تدل على العليم الخبير ". ويدركه كبار العلماء الباحثين في الحياة والأحياء.

وهذا الذي أشارت إليه الآية هو الذي يعرف عند العلماء باسم: (قانون السببية) . هذا القانون يقول: إن شيئاً من (الممكنات) ((لا يحدث بنفسه من غير شيء)) ؛ لأنه لا يحمل في طبيعته السبب الكافي لوجوده، ((ولا يستقل بإحداث شيء)) ؛ لأنّه لا يستطيع أن يمنح غيره شيئاً لا يملكه هو.

ولنضرب مثالاً نوضح به هذا القانون:

منذ سنوات تكشفت الرّمال في صحراء الربع الخالي إثر عواصف هبت على المنطقة عن بقايا مدينة كانت مطموسة في الرمال، فأخذ العلماء يبحثون عن محتوياتها ويحاولون أن يحققوا العصر الذي بنيت فيه، ولم يتبادر إلى ذهن شخص واحد من علماء الآثار أو من غيرهم أن هذه المدينة وجدت بفعل العوامل الطبيعية من الرياح والأمطار والحرارة والبرودة لا بفعل الإنسان.

ولو قال بذلك واحد من الناس لعده الناس مخرّفاً يستحقّ الشفقة والرحمة، فكيف لو قال شخص ما: إنّ هذه المدينة تكونت في الهواء من لا شيء في الأزمنة البعيدة، ثم رست على الأرض؟ إنّ هذا القول لا يقلّ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015