الأسس التي يقوم عليها توحيد الذات والصفات يعد مبحث توحيد الذات والصفات أدق مباحث العقيدة الإسلامية وذلك لأنه المحك الذي انزلقت فيه كثير من الفرق وضلت في مسالكه العديد من الفلسفات والأفكار. لذا عنيت العقيدة الإسلامية بوضع الأسس السليمة للخروج بمعتقد صحيح صريح في هذا الباب يأمن فيه السالك الانزلاق والضلال وتتمثل هذه الأسس فيما يلي:
الأساس الأول: أنه لا يوصف الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم. وكذا في باب الأسماء لا يسمى الله سبحانه وتعالى إلا بما جاء به الشرع.
ذلك أن الحكم على الشيء فرع عن تصوره، فإذا كانت الذات الإلهية لا تدركها العقول والأبصار فإن الواجب أن لا توصف تلك الذات إلا بما تصف به نفسها أو بما يصفها به من وكّل إليه شيء من ذلك، وهم الرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام. قال الله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: 36] وقال تعالى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [الأعراف: 180] {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وقوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]
الأساس الثاني: تنزيه الله تعالى عن أن يشبه شيئًا من خلقه أو أن يشبهه أحد من خلقه في ذاته أو صفاته أو أفعاله. فقد تقرر لدينا أن ذات الله تعالى لا تشبه ذوات المخلوقين لذا كان اللازم ألا تشبه صفاته صفات المخلوقين لأن الكلام في الصفات يبنى على الكلام في الذات، ويدل على ذلك قوله تعالى: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} [مريم: 65]
الأساس الثالث: أنه لا سبيل لإدراك الكيفيات والهيئات فيما يتعلق بذات الله تعالى وصفاته وأفعاله. وهذا الأساس يقوم أيضًا على اختلافه سبحانه وتعالى عن المخلوقات. فالإنسان محدود القدرات في إدراكه للأمور الغائبة عنه، وحتى قدرته التي يحاول بها الخروج عن حدود الواقع، وهي قوة التخيل، فإنه لا يتجاوز بها المدركات المادية المتصورة لديه مهما حاول تشكيل صورها وتوسيع مداها.
أما حينما يحاول الخروج عن ذلك فإن عقله يقع في التناقض أو عدم القدرة على تصور ذلك. ومن الأمثلة على ذلك أننا لو فرضنا خطين يكونان زاوية بينهما ثم مددنا هذين الخطين إلى ما لا نهاية ثم قمنا بوصل ما بين الخطين بخطوط متوازية حتى النقطة الأخيرة عند ما لا نهاية [أهـ، ب و، ج ز. . .] فهل هذا الخط عند النقطة الأخيرة [8 8] محدد أم غير محدد؟ كما هو موضح في الشكل.
فلو قلنا: إنه محدود، قيل: كيف يكون محدودًا وهو بين لا نهايتين؟ وإن قلنا: إنه غير محدد قيل: وكيف لا يكون محددًا وهو بين نقطتين؟ وسبب الوقوع في التناقض أن مفهوم اللانهاية غير مدرك عقلًا، وهكذا نجد أن العقل وقع في التناقض لحكمه على شيء لا يستطيع إدراكه. ومثل ذلك عدم قدرته على تصور شيء لا أول له ولا آخر.
وهذا الأمر متقرر عند علماء المسلمين لذا لما سئل الإمام مالك بن أنس رحمه الله تعالى عن كيفية استواء الله تعالى: أجاب الاستواء معلوم، والكيف غير معقول والإيمان به واجب والسؤال عنه بدعة.