القول الثاني: يجوز له أن يوكل غيره إذا أراد أن يغيب أو مرِض، وهو قول محمد بن عبدالرحمن بن أبي ليلى (?).
القول الثالث: يجوز له أن يوكل غيره مطلقًا، وهو رواية عن الإمام أحمد (?).
الأدلة:
أدلة القول الأول:
الدليل الأول: قوله - سبحانه وتعالى -: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} النساء: (29)، وقوله - صلى الله عليه وسلم -: «إنما البيع عن تراضٍ» (?) وقوله -عليه الصلاة والسلام-: «لا يحل مال امراءٍ مسلمٍ إلا بطيب نفسٍ منه» (?).
وجه الدلالة: أن الوكالة المتضمنة لمعاوضة إذا وكّل فيها الوكيل غيره، فإن الموكِّل لم يرضَ به إنما رضي بتصرف الوكيل، فدخل في عدم التراضي، ولا يحل أن يتصرف في مالِ الموكل إلا بطيب نفسٍ منه.
الدليل الثاني: أن الموكل لم يأذن له في التوكيل لا لفظًا ولا عرفًا، ولا تضمنه إذنه المستفاد من الوكالة، فلم يجز قياسًا على ما لو نهاه (?).
الدليل الثالث: أن التوكيل استئمانٌ في ما يمكنه النهوض فيه فلم يكن له أن يوليه مَن لم يأمن الموكل عليه، قياسًا على الوديعة، فإن المستودَع لا يحق له أن يودع الوديعة لغيره- في الأصل-؛ لأن المودِع لم يرض إلا بأمانته، فكذلك الوكالة (?).
الدليل الرابع: أن الإذن المستفاد من الوكالة لا يتناول تصرفَ غيرِه من جهة النطق ولا من جهة العرف؛ لأنه ليس في العرف إذا رضيه أن يرضى غيره (?).