ما غبت إلا رمي بالعين دملؤَة ... وظل ينشد والأقداحُ دوَّارُ
وابن المحليّ يميثهُ بملحمة ... كلاهما اتفقا طبل ومزمارُ
مولاي لا تحتقرهُ فابن ملجم قد ... عدى بحيدر والدَّار غدَّارُ
بئس الخبيئة تحت الفرش قمَّلةُ ... والسدُّ شرُّ كمين تحته الفارُ
وفي هذه السنة جهز السلطان نور الدين جيشاً كثيفاً إلى مكة المشرفة مع الشريف عليّ بن قتادة. فلما علم العسكر الذي في مكة من المصريين كتبوا إلى صاحب مصر طلبوا منه مادة. فأرسل إليهم بالأمير مبارز الدين عليّ بن الحسين بن برطاس وابن التركماني ومعهم مائة وخمسون فارساً. فلما علم الشريف عليُّ بن قتادة بوصولهم أَقام بالسرّين وأَرسل إلى السلطان نور الدين يعرفه صورة الحال فتجهز السلطان نور الدين بنفسه إلى مكة في عسكر جرار وخزانة جيدة وعزم شديد فلما علم أهل مصر بقدومه ولوا هاربين وأَخرجوا دار المملكة بمكة على ما فيها من عُدة وسلاح. فدخل السلطان نور الدين مكة وصام بها شهر رمضان من السنة 639 المذكورة. ووصل الأمير مبارز الدين عليُّ بن الحسين في عدة من بني عمه وأصحابه راغبين في خدمة السلطان. فأَنعم السلطان نور الدين عليهم وكساهم جمعاً. وأرسل السلطان نور الدين إلى الشريف صاحب ينبع. فلما أَتاه أكرمه وأَنعم عليه واستخدمه واشترى قلعة ينبع وأَمر بخرابها حتى لا يبقى قرار للمصريين. وأَبطل السلطان نور الدين عن مكة سائر المكوسات والجبايات والمظالم وكتب بذلك مربعة وجعلت قبالة الحجر الأسود ورتب في مكة الأمير فخر الدين السلاَّخ وابن فيروز وجعل الشريف أبا سعد بالوادي.
وفي سنة 640 توجه السلطان نور الدين من مكة إلى اليمن. وفيها مات الخليفة المستنصر وتولى الخلافة بعده ولده المستعصم بالله أمير المؤمنين أبو أحمد. وهو الذي يدعى له سائر المنابر إلى وقتنا هذا من سنة ثمان وتسعين وسبعمائة. وفيها وصل حجاج العراق إلى مكة وكان قد انقطع حاج العراق عن مكة سبع سنين فلما يحجج