المشرق يقال له الخضر وهو يمشي حافياً ونعله في يده. فلما رآه الفقيه تبسم. وقال لي يا فقيه هذا فلان قد جاءَ يريد السلام عليَّ. قلت فما حمله على المشي حافياً. قال كراهة أن يطأَ على ما بناه فخر الدين بن رسول. وعن قريب يبني بنو رسول محلة ويقعد فيها مدرساً. ثم وصل الفقيه الخضر المذكور إلى عند الفقيه محمد بن عمر المذكور. وتسالما مسالمة مرضية. ثم تباحثا ساعة في بعض مسائل الفقه. ثم توادعا وعاد الخضر في طريقه التي جاء منها. ثم لم تظل المدة حتى بنا بنو رسول المدارس وطلبوا الفقيه الخضر ورتبوه مدرساً في المدرسة الرائية. ثم أن الفقيه محمد ابن عمر انتقل من جبلة إلى قرية من مسشار الجند. يقال لها الحمراء. فأقام فيها مدة ثم انتقل إلى وادي عميدة فسكن في قرية يقال لها الطفر. وكان كثير الاجتماع بابن ناصر والفقيه حسين العدبني. والإقامة معهما بقرية الذنبتين. فتوفي بها في السنة المذكورة. وحضر الفقيه عمر بن سعيد دفنه في جماعة من أصحابه رحمة الله تعالى.
وفي سنة 636 رجع السلطان نور الدين من مكة إلى اليمن وأقام ابن الوليديّ وابن التعزيّ في مكة كما ذكرنا حتى انقضت السنة المذكورة والله اعلم: وفي سنة 637 وصل الأمير سنجه صاحب المدينة إلى مكة المشرفة في ألف فارس. وخرج عسكر السلطان نور الدين من مكة وأَخلوها له. وفي هذه السنة تسلم السلطان نور الدين حصن الكميم وطلعٍ صنعاء مرةً ثانية. فأَتاه خبر قتل الأمير نجم الدين أحمد بن أبي زكريٍ. وأَتاه الخبر بهزيمة العسكر من مكة.
قال صاحب العقد الثمين. حدثني من أثق به ممن شاهد الحال قال ما رأيت اربط جأشاً ولا أطلق وجهاً من السلطان نور الدين وقد اقبل إليه العسكران مغلوبين مهزومين فلم يتلعثم ولم يتوقف في خبر كسرهم وإصلاح أُمورهم بالخيل والعدد والملابس والنفقات حتى عادوا احسن حالاً واجمل قشرة مما كانوا عليه.
ثم أن السلطان نور الدين رحمة الله عليه جهز ابن البصري والشريف راجح إلى مكة في عسكر جرَّارٍ. فلما سمع بهم الشريف سنجة وأصحابه خرجوا من مكة هاربين. فتقدم سنجة إلى مصر. وكان سلطانها يومئذ الملك الصالح نجم الدين