واستوحش الإمام أمره. وكان يقدّم الحزم في أموره كلها فاستمر راجعاً في غير الطريق التي جاء فيها وجدّ في السير حتى خرج من حدود بلاد السلطان وتعلق ابن السيري ببلده وحصونه وكان مبارز الرفدي ممن نزل إلى الأمام وسار معه وكثر سواده. فلما ارتفع الأمام من الجند كما ذكرنا جرد السلطان جماعة من العسكر للرفدي فأخذوه وجاءُوا به إلى السلطان فأمر السلطان بقتله وقتل ولم ينزل السلطان تهامة في هذه السنة.
وفيها تقدم إلى عدن في شهر شوال فجعل طريقه على الحج وأقام في عدن أياماً فنشر شيئاً من العدل ما لا يعهد وكسى النواخذ وأَبطل كثيراً مما أحدثه العمال وصار التجار تذكره بالجميل ونائله الجزيل إلى كل ناحية في البر والبحر. ثم تقدم أَبين فأقام فيها أياماً قلائل واصطاد كثيراً من حمر الوحش ثم رجع إلى عدن ولم يقم فيها إلا يومين أو ثلاثة أيام ثم سار إلى محروسة تعز.
وفي سنة سبع وسبعين وصل السفراء من الديار المصرية صحبة القاضي جمال الدين محمد بن علي الفارقي ووصلوا من الهدايا والتحف بشيءٍ كثير وكان وصولهم في شهر المحرم من السنة المذكورة.
وفي هذه السنة نزل الإمام صلاح بن علي إلى تهامة بجيوش عظيمة من الخيل والرجل فرأَى ولاة البلاد لا طاقة لهم به فانشمروا من البلاد إلى زبيد فاجتمعوا وسار الإمام في الجهات الشامية فنهبها عسكره وأخربوها وسار في عسكره وجموعه إلى مدينة زبيد فوصلها غرة شهر رجب من السنة المذكورة فأقام شرقي المدينة ثلاثة أيام وهو يدور كل يوم حول المدينة فلم يجد فيها طمعاً. ويقال انه طلع منارة جامع النويدرة فرأي في المدينة أمماً لا تحصى قد احتشدوا من كل ناحية فاجتمعوا فيها فراعه ما رأَى من كثرة الناس فيها. وكان الطواشي أَهيف في المدينة أميراً يومئذ قد طلب مشايخ القرى وأمرهم بجمع رجالهم وإن يكونوا على أهبة بينما يصلهم علمه وأن لا يتأخر منهم أحد فيعاقب اشد العقوبة. وكان قد عزم على أن يقصد المحطة في ليلة من الليالي بالعسكر الذي في زبيد وبكافة أهل القرى فوصله العلم من بعض أهل