وخشي على نفسه التبعة. فطلب وجوه العسكر وفرَّق فيهم شيئاً من المال ووعدهم بالجامكية والأنعام عند وصول الخزينة. وانفرد بأكابرهم وقال لهم اعلموا أَني أَدرى منكم بالبلد وأهلها والمسافة بيننا وبين المهجم ثلاثة أيام ليس فيها مدينة معمورة ولا كلمة مسموعة وكل أهلها داعية فساد. والمصلحة أن نرفع المحطة إلى بيت الفقيه ابن عجيل. فاستصوبوا رأْيه فانتقل بمحطته إلى بيت الفقيه فأَقام فيها يوماً أَو يومين ثم انتقل إلى القحمة. فلما استقر في القحمة وكانت يومئذٍ خراباً لا ساكن فيها أَمر بعمارتها وأقام فيها هو ومن معه من العسكر. وفي يوم السادس عشر من شعبان حملت الرايات السعيدية الأفضلية. وفي شهر ذي القعدة أغار ابن سمير من القحمة إلى حارة وادي زبيد فحرق قرية المَوْقر وقتل من أهلها جماعة ولزم آخرين فسار بهم إلى القحمة وصادرهم بشيءٍ من المال.
وفي هذه السنة توفي الفقيه الصالح أبو محمد عبد الله بن محمد بن عمر بن أبي بكر إسماعيل البريهي السكسكي بقرية ذي السّفِال. وكان فقيهاً فاضلاً ورعاً صالحاً عالماً عاملاً صوفيّاً جمع بين الطريقتين وحاز شرف المنزلتين. وكانت له كرامات ومقامات وكان مشاركاً في عدة من أنواع العلوم فقيهاً نحويّاً محدّثاً مفسراً صوفيّاً تحكم على يد جماعة من الفضلاء وحج بيت الله الحرام عدة سنين. وكان له مع العرب حكايات يطول شرحها وكان حسن الأَخلاق عذب المنطق له صيت عظيم على التدريس. توفي إلى رحمة الله تعالى في شهر المحرم من السنة المذكورة رحمه الله ورضوانه عليه.
وفي سنة خمس وستين وسبعمائة نزل الأمير فخر الدين زياد بن أحمد الكاملي بالعساكر المنصورة الأفضلية من الأشراف والأَكراد ونزل صحبته الأمير بهاء الدين بهادر السنسبلي وجماعة من المماليك وكان نزولهم يوم العاشر من المحرم فدخلوا زبيد يوم الثالث عشر من المحرم المذكور. ثم انتقلوا إلى فشال يوم الرابع عشر فأقاموا إلى يوم الثاني والعشرين من الشهر المذكور وقصدوا ابن سمير إلى القحمة فلما علم بهم ابن سمير خرج إليهم فيمن معه من العسكر والأشراف والعرب. فكان يوماً ما