والحمد لله رب العالمين، والصلاة على رسوله محمد وعلى آله أجمعين:
وللعقل خمسون عوناً، وللهوى خمسون عوناً: قال أبو عبد الله رحمه الله، أما العقل أوله، ثم الفهم، ثم البصر، ثم المعرفة، ثم اليقين، ثم الفقه، ثم الوقف، ثم الحلم، ثم الإلهام، ثم الإخلاص، ثم التواضع، ثم السخاوة، ثم الصواب، ثم النصيحة، ثم الحسبة، ثم النية، ثم الشفقة، ثم المداراة، ثم الورع، ثم الشكر، ثم الرضا، ثم الصبر، ثم الخوف، ثم التقوى، ثم الجهد، ثم الاستقامة، ثم الزهد، ثم الفراسة، ثم الألفة، ثم الإنابة، ثم الشوق، ثم التضرع، ثم الحب، ثم الحفظ، ثم الصدق، ثم الهدى، ثم الذهن، ثم الفراغة، ثم الأمن، ثم التوكل، ثم الثقة، ثم القناعة، ثم التفويض، ثم العافية، ثم الراحة، ثم الخشوع، ثم التفكر، ثم العبرة، ثم الاستخارة، ثم السلامة، ثم المنزلة، ثم العزلة، ثم التهيؤ.
تفسير العقل وضده الهوى
تفسير العقل
فالعقل ما أكرم الله به العباد وضده الهوى، وشكل العقل اليقين، والعقل من العاقل، وهو عقد المؤمن بين إيمانه وبين أن يكفر، والهوى، هو عقد للكافر بين كفره وبين أن يؤمن، لقول الله تعالى: (يحول بين المرء وقلبه) . يقول يحول بين المؤمن وبين أن يكفر، وبين الكافر وبين أن يؤمن، لأن الله تعالى خلقك، وهداك، وعرفك بوحدانيته، حتى عرفت أنه واحد لا شريك له. ولا يقدر الشيطان أن يشك بالله، لأجل تعريفه إياك فالمنّة لله على ذلك. والعقل أيضا عقد بين الطاعة والمعصية، فيعقد ويفتح: فحيث يكون العقد في والخوف والتفكر والحفظ والعاقبة عن هذا؛ فأول ما يشككه الشيطان بالمعصية. فحيث يغفر العبد عن هذا فيشككه الشيطان حتى يقع في الذنوب، ولم يذهب ذلك العقل الأول لأنه لا يرضى بقلبه بالمعصية لله، وإنما يرضى بقلبه لأجل نهمة النفس، حتى غفل عن عاقبة الذل والهوان، ويكون أيضاً عقداً بين بدعة المبتدع وبين سنة السني، فيعقد ويفتح فحيث يكون العقد في الخوف والحفظ والتفكر لعاقبته؛ فأول ما يشككه الشيطان حتى يوقعه في البدعة، فإذا أوقعه في البدعة؛ فلم يذهب ذلك العقل الأول عنه، ويكون ذلك أيضا عقداً بين زهد الزاهد وبين رغبة الراغب، فيعقد ويفتح، فحيث يكون العبد في الخوف والحفظ والتفكر لعاقبة الحساب الشديد، والحبس عن الجنة، والتقصير في الدرجة، وسؤال الله إياه من أين اكتَسَبْت، وفي ماذا أنفقت، وماذا أردت به؛ فأول ما يشككه الشيطان حتى يوقعه في الرغبة في الدنيا، فإذا أوقعه فلم يذهب عنه ذلك العقل الأول، فهذا تفسير العقل.
وقال الفهم من الفهيم يكون بثلاثة أشياء: أوّله: بفراغة القلب، والثاني: بالتضرّع بينه وبين الله حتى يفهمه، والثالث: بالمطارحة والمناظرة والمذاكرة مع من يفهم أمر الدارين، ولا يفهمه إلاَّ البصراء؛ حتى يكون فهماً. وشكل الفهم البصر، وضد الفهم الوهم، وللفهم ثلاث علامات: أولهما: أنه معصوم من التّهلُكة، لأن الفهم يحفظه، والثاني: لا يغضب لأنه يفهم أصل كلّ شيء، ويتفكر بفهمه في عاقبته، والثالث: لا يتعجب من أمر الله، لأنه يفهم أن الله قادر على أن يفعل كلّ شيء.
وثلاثة أشياء من فعال الفهم، أولهما: تفنن الكلام، لأنه يفهم في الدقائق، والثاني بصير بالحجة، والثالث: مشغول بأحكام أمر البدن.
وقال البصر من البصير يكون بسبعة أشياء: أحدهما: يخبر بعلم الاختلاف والموافقة بمتابعة الموافقة والحجة لا بمتابعة الخلاف، والثاني: يعلم المحكم والمتشابه بمتابعة المحكم لا بمتابعة المتشابه، والثالث يعرف الناسخ من المنسوخ بمتابعة الناسخ لا بمتابعة المنسوخ، والرابع: يفهم الحكم من الأحاديث والأدب والتخويف والتغليظ حتى يميز بعضها عن بعض، والخامس: يبصر السنة والبدعة بمتابعة السنة لا بمتابعة البدعة، والسادس: يعقل الجماعة في الفرقة بمتابعة الجماعة لا بمتابعة الفرقة، والسابع: يفقه الحجة والداحضة لأن النجاة يوم القيامة تكون بالحجة لقول الله تعالى: (هاتوا برهانكم) ولا يقول هاتوا رجالكم، فلذلك ينبغي للمتعلم ألاّ يتعلم العلم من العالم إلا بالحجة، ولا يقبله من غير حجة.