وأما الذي تمسك به ابن القاص فضعيف؛ لأنه فرض الخاص المتقدم نهيًا فلا جرم عم الأزمان، وفرض العام المتأخر أمرًا، فلا جرم لم يعم الأزمان، بناء على أنه ليس للتكرار، وهو- أيضًا- مما يمنع، فلا جرم صح له ما ادعاه من كون الخاص أعم من العام على هذا الوجه.

أما لو فرض الخاص المتقدم أمرًا والعام المتأخر نهيًا، فإنه حينئذ لا يستقيم كلامه؛ لأن الخاص المتقدم، لا شك أنه خاص في الأعيان، وهو أيضًا خاص في الأزمان، بناء على أن الأمر لا يفيد التكرار.

وأما العام المتأخر إذا فرضناه نهيا، كان أعم من المتقدم في الأعيان بالاتفاق، وفي الأزمان أيضًا؛ لأن الأمر لا يتناول كل الأزمان، بل زمانا واحدًا، فها هنا المتأخر أعم من المتقدم من كل الوجوه، فبطل ما قاله.

ثم تحته مشى على أن النهي- أيضًا- يقتضي التكرار، فيتناول الأزمنة من حين وروده إلى آخر الدهر، والأمر- وإن سلمنا أنه للتكرار- فإنما يتناول من حين وروده إلى آخر المستقبل، فيفصل النهي السنة الكائنة قبل ورود الأمر.

ثم إذا سلم له أن كل واحد منهما أعم وأخص من وجه، لا يلزم التوقف أيضًا؛ لأن عموم المشركين في الأشخاص وعموم النهي الخاص في الأزمان، ودلالة الشخص على الأشخاص ليس من الأزمنة، والزمان أبعد منها، والمقصود المهم إنما هو الأشخاص ودلالة الخاص على أفراده أقوى، فوجب ترجيحه.

ثم ينبغي له أن لا يتوقف إلا في الأفراد التي يتناولها الخاص من العام، أما ما عداها فسالم عن معارضة هذه الشبهة، فلا يليق إطلاق القول بالتوقف مطلقًا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015