أما لو تأخر النفي فقلت: كل الدراهم لم أقبضها، برفع (كل (على أنه مبتدأ، لكان ذلك نصا بالنفي على كل درهم، وتكون الصيغة حينئذ من صيغ العموم، فإذا نصبت (كلا (فقلت: كل الدراهم لم اقبض، (أو لم) أقبضه، فكلاهما سواء في عدم العموم.
أما مع تفريغ الفعل؛ فلأن المفعول الذي (هو) (كل (، وإن كان مقدما على النفي، غير أن المنفي في نية التأخير، والعامل في المفعول ها هنا في نية التقديم، فكان حكمه حكم (ما) إذا قال: لم أقبض كل الدراهم، أنه جزئية، لا كلية، وأما إذا اشتغل الفعل بالضمير مع النصب، فلأنا نضمر فعلا متقدما على كل (ما) يدل عليه ما بعده، فيصير اللفظ جزئية بذلك الفعل المضمر المتقدم (على (كل، فهما سواء حينئذ، وهذا السر هو الباعث للشاعر على رفع (كل) في قوله:
قد أصبحن أم الخيار تدعي ... علي ذنبا كله لم أصنع