وكذلك النفي، إذا نطق بمدلول التزامي نحو قولنا: (النفي في الدار، والسفر في البلد، والخروج حصل من الدار، وكذلك) جميع الألفاظ التي معناها النفي مطابقة، فإنها مقتضية نفيا، ومسافرا، وخارجا غير معين، حتى لو فسر المتكلم لفظه في ذلك بنفي زيد، أو سفره، أو خروجه، لم يعد مناقضا لكلامه الأول ولا معارضا له، بل مقيدا بزيادة التعيين في المنطق، لا مخرجا لبعض أفراد دل عليها اللفظ.
وكذلك إذا قال القائل: فقدت من داري، أو من ملكي، فإن السامع إنما يفهم منه أنه فقد شيئا معينا في نفس الأمر، غير معين عند السامع، ولذلك (نسأله فنقول): أي شيء الذي فقدته؟ فيقول له المتكلم: ثوبا، مثلا، ولا يحصل في الكلام تنافر، ولا تخصيص إخراج، بل تخصيص تقييد.
فظهر أن اللفظ إذا دل على نفي مشترك بطريق الالتزام، لا يقتضي نفي جميع المفهومات من أشخاص ذلك المشترك، بل يقتصر على فرد منه، بمقتضى دلالة هذا اللفظ، حتى يدل دليل على الزيادة عليه، وظهر لك الفرق بين المدلول مطابقة، والمدلول التزاما، وأن النهي والنفي في ذلك سواء.
فائدة: إذا قال لأربع نسوة: إحداكن طالق، طلقن كلهن عند مالك، خلافا/ للشافعي، وأبي حنيفة- رضي الله عنهم- أجمعين، وقد تقدم تقرير هذه المسألة في الباب الذي قبل هذا، سؤالا وجوابا.