فخّا، فجاءت عصفورة فنزلت عليه، فقالت: ما لي أراك منحنيا؟ قال: لكثرة صلاتي انحنيت. قالت: فمالي أراك بادية «1» عظامك؟ قال: لكثرة صيامي بدت عظامي.
قالت: فمالي أرى هذا الصّوف عليك؟ قال: لزهادتي في الدنيا لبست الصوف.
قالت: فما هذه العصا عندك؟ قال: أتوكّأ عليها وأقضي بها حوائجي. قالت: فما هذه الحبّة في يدك؟ قال: قربان إن مرّ بي مسكين ناولته إياه. قالت: فإني مسكينة! قال:
فخذيها. فدنت فقبضت على الحبة، فإذا الفخ في عنقها. فجعلت تقول: قعي قعي.
تفسيره: لا غرّني ناسك مراء بعدك أبدا.
داود بن أبي هند عن الشّعبي: أن رجلا من بني إسرائيل صاد قبّرة، فقالت: ما تريد أن تصنع بي؟ قال: أذبحك فآكلك! قالت: والله ما أشفي من قرم «2» ولا أغني من جوع، ولكني أعلمك ثلاث خصال هي خير لك من أكلي: أما الواحدة فأعلمكها وأنا في يدك، والثانية إذا صرت على هذه الشجرة، والثالثة إذا صرت على الجبل.
فقال: هات الأولى، قالت: لا تتلهفن على ما فاتك. فخلّى عنها؛ فلما صارت فوق الشجرة قال: هات الثانية. قالت: لا تصدّقن بما لا يكون أنه يكون. ثم طارت فصارت على الجبل، فقالت: يا شقيّ! لو ذبحتني لأخرجت من حوصلتي درّة فيها زنة عشرين مثقالا. قال: فعضّ على شفتيه وتلهّف ثم قال: هات الثالثة. قالت له: أنت قد نسيت الاثنتين، فكيف أعلّمك الثالثة؟ ألم أقل لك لا تتلهفنّ على ما فاتك؟ فقد تلهفت عليّ إذ فتّك، وقلت لك. لا تصدقن بما لا يكون، أنه يكون! فصدقت! أنا وعظمي وريشي لا أزن عشرين مثقالا، فكيف يكون في حوصلتي ما يزنها؟
وفي كتاب للهند: مثل الدنيا وآفاتها ومخاوفها والموت والمعاد الذي إليه مصير الإنسان: