بإسقاطهم من ديوان عطائه ولم يستبدل بهم؛ فلما كان بعد أيام استوحش لهم، فقال لنصر: قد استوحشنا لأصحابنا أولئك! فقال له نصر: قد نالهم من سخط الأمير ما فيه أدب لهم؛ فإن رأى أن يرسل فيهم أرسلت. قال: أرسل. فأقبل القوم وعليهم كآبة السخط، فأخذوا مجالسهم ولم ينشرحوا ولا خاضوا فيما كانوا يخوضون فيه، فقال الأمير لنصر: ما يمنع هؤلاء من الانشراح؟ قال: عليهم أبقى الله الأمير وجمة «1» السخط الذي نالهم، قال: قل لهم: قد عفونا فلينشرحوا. قال: فقام عبد الرحمن بن الشمر الشاعر المتنجم، فجثا بين يديه، ثم أنشده شعرا له أقذع فيه على بعض أصحابه إلا أنه ختمه ببيتين بديعين، وهما:
فيا رحمة الله في خلقه ... ومن جوده أبدا يسكب
لئن عفت صحبة أهل الذّنوب ... لقلّ من الناس من تصحب
وأحسن ما قيل في هذا المعنى قول النابغة:
ولست بمستبق أخا لا تلمّه ... على شعث أيّ الرّجال المهذّب؟ «2»
كتب المريسيّ إلى أبي يحيى منصور بن محمد: اكتب: القرآن خالق أو مخلوق؟
فكتب إليه: عافانا الله وإياك من كل فتنة، وجعلنا وإياك من أهل السنة، وممن لا يرغب بنفسه عن الجماعة، فإنه إن تفعل فأعظم بها منّة، وإن لا تفعل فهي الهلكة، ونحن نقول: إن الكلام في القرآن بدعة، يتكلف المجيب ما ليس عليه، ويتعاطى السائل ما ليس له، وما نعلم خالقا إلا الله، وما سوى الله فمخلوق؛ والقرآن كلام الله، فانته بنفسك إلى أسمائه التي سماه الله بها فتكون من المهتدين، ولا تسمّ القرآن باسم من عندك فتكون من الضالّين. جعلنا الله وإياك من الذين يخشون ربهم بالغيب وهم من الساعة مشفقون.