العقد الفريد (صفحة 713)

وقال أيضا:

برزت من المنازل والقباب ... فلم يعسر على أحد حجابي

فمنزلي الفضاء وسقف بيتي ... سماء الله أو قطع السّحاب

فأنت إذا أردت دخلت بيتي ... عليّ مسلّما من غير باب

لأني لم أجد مصراع باب ... يكون من السّحاب إلى التّراب

ولا انشقّ الثرى عن عود تخت ... أؤمّل أن أشدّ به ثيابي

ولا خفت الإباق على عبيدي ... ولا خفت الهلاك على دوابي «1»

ولا حاسبت يوما قهرمانا ... محاسبة فأغلط في حسابي «2»

وفي ذا راحة وفراغ بال ... فدأب الدهر ذا أبدا ودابي

وفي كتاب للهند: ما التّبع والإخوان والأهل والأصدقاء والأعوان والحشم إلا مع المال، وما أرى المروءة يظهرها إلا المال، ولا الرأي والقوة إلا المال، ووجدت من لا مال له إذا أراد أن يتناول أمرا قعد به العدم، فيبقى مقصّرا عما أراد، كالماء الذي يبقى في الأودية من مطر الصيف، فلا يجري إلى بحر ولا نهر، بل يبقى مكانه حتى تنشفه الأرض؛ ووجدت من لا إخوان له لا أهل له. ومن لا ولد له لا ذكر له، ومن لا عقل له لا دنيا له ولا آخرة له، ومن لا مال له لا شيء له؛ لأن الرجل إذا افتقر رفضه إخوانه وقطعه ذو رحمه، وربما اضطرته الحاجة لنفسه وعياله إلى التماس الرزق بما يغرّر فيه بدينه ودنياه، فإذا هو قد خسر الدنيا والآخرة، فلا شيء أشدّ من الفقر، والشجرة النابتة على الطريق المأكولة من كل جانب أمثل حالا من الفقير المحتاج إلى ما في أيدي الناس. والفقر داع صاحبه إلى مقت الناس، ومتلف للعقل والمروءة، ومذهب للعلم والأدب، ومعدن للتهمة، ومجمع للبلايا؛ ووجدت الرجل إذا افتقر أساء به الظنّ من كان له مؤتمنا، وليس من خصلة هي للغنىّ مدح وزين إلا وهي للفقير ذمّ وشين؛ فإن كان شجاعا قيل أهوج، وإن كان جوادا قيل

طور بواسطة نورين ميديا © 2015