العقد الفريد (صفحة 681)

فاستبقت السنانير إليه ورمت بالشمع، حتى كاد البيت يضطرم عليهم نارا فقال الوزير: كيف رأيت غلبة الطبع على الأدب ورجوع الفرع إلى أصله؟ قال: صدقت، ورجع إلى ما كان أبوه عليه معه.

فإنما مدار كل شيء على طبعه، والتكلف مذموم من كل وجه. قال الله لنبيه صلّى الله عليه وسلم: قل يا محمد: «وما أنا من المتكلفين» .

وقالوا: من تطبّع بغير طبعه نزعته العادة حتى تردّه إلى طبعه، كما أن الماء إذا أسخنته وتركته ساعة عاد إلى طبعه من البرودة، والشجرة المرة لو طلبتها بالعسل لا تثمر إلا مرا.

باب في ترك المشاراة والمماراة

«1» دخل السائب بن صيفي على النبي صلّى الله عليه وسلم، فقال: أتعرفني يا رسول الله؟ قال:

وكيف لا أعرف شريكي في الجاهلية الذي كان لا يشاري ولا يماري؟

وقال ابن المقفع: المشاراة والمماراة يفسدان الصداقة القديمة ويحلان العقدة الوثيقة؛ وأيسر ما فيهما أنهما ذريعة إلى المنافسة والمغالبة.

وقال عبد الرحمن بن أبي ليلى: لا تمار أخاك، فإما أن تغضبه وإما أن تكذبه.

وقال الشاعر:

فإياك إياك المراء فإنه ... إلى السّبّ دّهاء وللصرم جالب «2»

وقال عبد الله بن عباس: لا تمار فقيها ولا سفيها، فإنّ الفقيه يغلبك والسفيه يؤذيك.

وقال النبي صلّى الله عليه وسلم: «سباب المؤمن فسوق، وقتاله كفر» .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015