امضوا بنا إليه الليلة! فبعثت إليه الجارية: إن القوم سيأتونك الليلة، فاحذر على نفسك! فلما أمسى قعد على مرقاة ومعه قوسه وسهمه، ووقع بالحيّ في الليل مطر، فاشتغلوا عنه؛ فلما كان آخر الليل وانقشع السحاب وطلع القمر، اشتاقته الجارية فخرجت تريده ومعها صاحبة لها من الحي كانت تثق بها؛ فنظر الفتى إليهما فظن أنهما يطلبانه، فرمى فما أخطأ قلب الجارية، فوقعت ميتة، وصاحت الأخرى ورجعت؛ فانحدر الفتى من الجبل فإذا الجارية ميتة، فقال:
نعب الغراب بما كره ... ت ولا إزالة للقدر
تبكي وأنت قتلتها ... فاصبر وإلا فانتحر
ثم وجأ بمشاقصه «1» في أوداجه حتى مات؛ فجاء أهل المرأة فوجدوهما ميّتين، فدفنوهما في قبر واحد!
كانت في أبي عطاء السندي لثغة قبيحة، فاجتمع يوما في مجلس بالكوفة فيه حماد الراوية، وحماد عجرد، وحماد بن الزبرقان، وبكر بن مصعب؛ فنظر بعضهم إلى بعض وقالوا: ما بقي شيء إلا وقد تهيأ في مجلسنا هذا، فلو بعثنا إلى أبي عطاء السندي! فأرسلوا إليه، فأقبل يقول: مرهبا مرهبا! هياكم اللَّه! وقد كان قال أحدهم. من يحتال لأبي عطاء حتى يقول: جرادة، وزج «2» ؟ وشيطان! فقال حماد الراوية: أنا! فقال: يا أبا عطاء؛ كيف علمك باللغز؟ قال: هسن، يريد: حسن، فقال له:
فما صفراء تكنى أمّ عوف ... كأنّ سويقتيها منجلان «3»
قال: زرارة. فقال: أصبت، ثم قال: