ومسرور بها؛ فقالت لي: ابن عمك هذا من أبناء التجار؟ قلت: نعم، فديتك نحن لا نعرف إلا التجارة! قالت وإنكما فيها لغريبان! ثم قالت: موعدك! فقلت: لعمري إنه لمجيب، ولكن حتى نسمع شيئا. قالت: لك ذاك. فأخذت العود فغنت صوتا، فشربنا عليه رطلا؛ ثم غنت بصوت كان المأمون يقترحه عليّ، فشربنا عليه رطلا.
فلما شرب المأمون ثلاثة أرطال، داخله الفرح والارتياح وقال: يا إسحق؛ فو اللَّه لقد رأيته ينظر إليّ نظر الأسد إلى فريسته؛ فنهضت وقلت: لبّيك يا أمير المؤمنين! قال: غنني بهذا الصوت! فلما رأتني قمت بين يديه وأخذت العود ووقفت بين يديه أغنيه، علمت أنه الخليفة وأني إسحق؛ فنهضت فقالت؛ ههنا! وأو مأت إلى كلة «1» مضروبة، فدخلتها؛ ثم فرغت من ذلك الصوت وشرب رطلا، وقال لي: ويحك يا إسحق! انظر من ربّ هذه الدار! فخرجت إلى تلك العجوز فسألتها عن صاحب الدار فقالت: الحسن بن سهل. قلت: ومن هذه؟ قالت: بوران ابنته فرجعت وأعلمته.
قال؛ ثم انصرفنا، فقال لي: يا إسحق، اكتم هذا الأمر ولا تتفوّه به. ومضينا إلى دار الخلافة؛ فلما كان الصباح وحضر الحسن بن سهل على عادته، قال له المأمون:
ألك بنت؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين. قال ما اسمها؟ قال: بوران. قال: فإني أخطبها إليك قال هي أمتك يا أمير المؤمنين، وأمرها إليك قال فإني قد تزوجتها على نقد ثلاثين ألف دينار: فإذا قبضت المال فاحملها إلينا.
ثم تزوجها، وكانت أحظى نسائه عنده، وآثرهن لديه؛ وكنت أستر هذا الحديث إلى أن مات المأمون.
[قال إسحق] : فما اجتمع لأحد ما اجتمع لي في تلك الأربعة الأيام، إذ كنت أنصرف من مجلس أمير المؤمنين إلى مجلسها، وو اللَّه ما رأيت من الرجال وملوكهم