منهن إلا إذا وضعت مائدته؛ ثم يقبل خبازه فيمثل بين يديه، فيقول: ما عندك اليوم؟ فيقول: عندي كذا، عندي كذا ... فيعدد كل ما عنده، ويصفه؛ يريد بذلك أن يحبس كلّ رجل نفسه وشهوته على ما يريد من الطعام، وتقبل الألطاف من ههنا وههنا، وتوضع على المائدة؛ ثم يؤتى بثريدة شهباء من الفلفل، رقطاء من الحمص، ذات حفافين من العراق «1» ؛ فنأكل معه، حتى إذا ظن أن القوم قد كادوا يمتلئون، جثا على ركبتيه ثم استأنف الأكل معهم. فقال [ابن] أبي بردة: للَّه درّ عبد الأعلى، ما أربط جأشه على وقع الأضراس.
وحضر أعرابيّ طعام عبد الأعلى، فلما وقف الخباز بين يديه ووصف ما عنده قال:
أصلحك الله، أتأمر غلامك يسقيني ماء، فقد شبعت من وصف هذا الخباز! وقال له عبد الأعلى يوما: ما تقول يا أعرابي، لو أمرت الطباخ فعمل لون كذا، ولون كذا؟ قال: أصلحك الله، لو كانت هذه الصفة في القرآن لكانت موضع سجود.
أبو عبيدة قال: مر الفرزدق بيحيى [بن الحصين] بن المنذر الرقاشي فقال له: هل لك أبا فراس في جدي رضيع، ونبيذ من شراب الزبيب؟ قال: وهل يأبى هذا إلا ابن المراغة «2» .
وقال الأحوص لجرير لما قدم المدينة. ماذا ترى أن نعدّ لك؟ قال: شواء وطلاء «3» وغناء. قال: قد أعدّ لك.
وقال مساور الورّاق في وصف الطعام:
آسمع بنعتي للملوك ولا تكن ... فيما سمعت كميّت الأحياء
إنّ الملوك لهم طعام طيب ... يستأثرون به على الفقراء