وكان صاحب الفلاحات يقول بأن النحل أطرب الحيوان كله إلى الغناء، وإن افراخها لتستنزل بمثل الزّجل والصوت الحسن.
قال الراجز:
والطّير قد يسوقه للموت ... إصغاؤه إلى حنين الصّوت
وبعد، فهل خلق الله شيئا اوقع بالقلوب وأشدّ اختلاسا للعقول، من الصوت الحسن، لا سيما إذا كان من وجه حسن، كما قال الشاعر:
ربّ سماع حسن ... سمعته من حسن
مقرّب من فرح ... مبعّد من حزن
لا فارقاني أبدا ... في صحة من بدني
وهل على الارض رعديد «1» مستطار الفؤاد، بتغنّى بقول جرير بن الخطفي:
قل للجبان إذا تأخّر سرجه ... هل أنت من شرك المنية ناجي
إلا ثاب إليه روحه، وقوي قلبه؟ أم على الأرض بخيل قد تقفّعت «2» أطرافه لؤما، ثم غنى بقول حاتم الطائي:
يرى البخيل سبيل المال واحدة ... إنّ الجواد يرى في ماله سبلا
إلا انبسطت أنامله ورشحت أطرافه؟ أم هل على الارض غريب نازح الدار بعيد المحل، يتغنى بشعر علي بن الجهم:
يا وحشتا للغريب في البلد النّا ... زح ماذا بنفسه صنعا
فارق أحبابه فما انتفعوا ... بالعيش من بعده ولا انتفعا
يقول في نأويه وغربته ... عدل من الله كلّ ما صنعا
إلا انقطعت كبده حنينا إلى وطنه، وتشوّقا إلى سكنه؟