قال أحمد بن محمد بن عبد ربه: قد مضى قولنا في النسب الذي هو سبب التعارف، وسلم إلى التواصل، وفي تفضيل العرب، وفي كلام بعض الشعوبية، ونحن قائلون بعون الله وتوفيقه في كلام الأعراب خاصة؛ إذ كان أشرف الكلام حسبا، وأكثره رونقا، وأحسنه ديباجا، وأقله كلفة، وأوضحه طريقة؛ وإذ كان مدار الكلام كله عليه، ومنتسبه إليه.
قال رجل من منقر: تكلم خالد بن صفوان بكلام في صلح لم يسمع الناس كلاما قبله مثله، وإذا بأعرابيّ في بت «1» ، ما في رجليه حذاء، فأجابه بكلام وددت أني متّ قبل أن أسمعه، فلما رأى خالد ما نزل بي قال لي: ويحك! كيف نجاريهم وإنما نحاكيهم؟ أم كيف نسابقهم وإنما نجري بما سبق إلينا من أعراقهم؟ قلت له: أبا صفوان، والله ما ألومك في الأولى، ولا أدع حمدك على الأخرى.
وتكلم ربيعة الرأي يوما بكلام في العلم فأكثر، فكأن العجب داخله، فالتفت إلى أعرابي إلى جنبه فقال: ما تعدّون البلاغة يا أعرابيّ؟ قال: قلة الكلام وإيجاز الصواب. قال: فما تعدّون العيّ؟ قال: ما كنت فيه منذ اليوم. فكأنما ألقمه حجرا «2» .