ومنها: أن يكون1 زاهدا في الدنيا غير مبالٍ بفواتها مقتصدا في مطعمه وملبسه وأثاثه ومسكنه غير مترفه تشبيها بالسلف، ويتأكد في حق الطالب أن يقلل علائقه من أشغال الدنيا، ويبعد عن الأهل والوطن، فإن العلائق شاغلة وصارفة، قال تعالى: {مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ} [الأحزاب: 4] ونقل يحيى بن معاذ الرازي2: إنه كان يقول لعلماء الدنيا يا أصحاب العلم قصوركم قيصرية، وبيوتكم كسروية، وأثوابكم طاهرية، وأخفافكم جالوتية، ومراكبكم قارونية، وأوانيكم فرعونية، ومآثمكم جاهلية، ومذاهبكم شيطانية، فأين المحمدية؟ 3 وقوله: طاهرية بالطاء المهملة نسبة لطاهر بن الحسين4 المتولي على خراسان، وأقل درجات العالم أن يستقذر المتعلق بالدنيا، فهو أولى باستقذارها في حق نفسه، وعن الشافعي رضي الله عنه: لو أُوصي لأعقل الناس صرف إلى الزهاد، فليت شعري من أحق من العلماء بزيادة العقل وكماله؟ 5 وقال يحيى بن معاذ6: لو كانت الدنيا تبرًا يفنى، والآخرة خزفا يبقى، لكان ينبغي للعاقل إيثار الخزف الباقي على التبر الفاني، فكيف والدنيا خزف فان، والآخرة تبر باق7.