على الاندارس وهو أصل الدين، فمن يهمل ذلك ويزعم أنه يتعلم الخلاف لله فهو كمن ترك جماعة من الناس عطاشا مشرفين على الهلاك وهو قادر على أن يسقيهم ما يحييهم به فاشتغل بتعلم صناعة الحجامة، وفي الحجامين كثرة وزعم أن غرضه القيام بفرض الكفاية؛ إذ لو خلا البلد عن الحجامين لتعرضوا للهلاك.

ومن جملة فروض الكفاية التي لا قائم بها لا سيما الآن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقد يكون المناظر في مجلس مناظرته مشاهدا للحرير ملبوسا ومفروشا وهو لا ينكره، ويناظر في دباغ جلد الكلب والتوضي بنبيذ التمر ونحو ذلك مما لا يتفق قط، بل يجري منه ومن غيره في مجلس المناظرة من الغيبة والإيحاش1 والإيذاء ما يعصي به القائل والمستمع ولا يلتفت قلبه إلى شيء من ذلك، ثم يزعم أنه يناظر لله تعالى، فانظر هل كانت مشاورة الصحابة ومناظرة السلف من هذا الجنس؟

الثالثة: أن يكون المناظر مجتهدا يفتي برأيه لا بمذهب أبي حنيفة والشافعي -رحمهما الله تعالى- حتى إذا بان له الحق على لسان خصمه انتقل إليه، كذلك كانت مناظرة السلف، فأما من لا يجتهد فليس له مخالفة صاحب مذهبه، فأي فائدة له في المناظرة وهو لا يقدر على تركه إن ظهر ضعفه، ولو كانت مباحثته عن محل القولين والوجهين لكان أحرى وأنفع، فإنه ربما يفتي به، ولكن ميله إلى إظهار اتساع علمه في إفحام خصمه2 وإظهار ضعف كلامه.

الرابعة: أن يناظر في واقعة مهمة، أو في مسألة قريبة من الوقوع، فما خاض الصحابة في المشاورة إلا بعد وقوع الواقعة لا قبله إلا في الفرائض لعلمهم بأن ذلك لا بد من وقوعه عن قرب، وقد مر النهي عن المسائل قبل وقوعها، ولا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015