الاستنباط أو معرفة الأصول ونحوها من أدواتهم، وهذه صفة كثير من المتأخرين إلى أواخر المائة الرابعة المصنفين الذين رتبوا المذهب وحرروه وصنفوا فيه تصانيف فيها معظم اشتغال الناس اليوم ولم يلحقوا الذين قبلهم في التخريج، أما فتاويهم فكانوا يتبسطون فيها تبسط أولئك أو قريبا منه، ويقيسون غير المنقول عليه غير مقتصرين على القياس الجلي، وربما تطرق بعضهم إلى تخريج قول واستنباط وجه أو احتمال، وفتاويهم مقبولة، ومنهم من جمعت فتاويه، ولا تبلغ في التحاقها بالمذهب مبلغ فتاوى أصحاب الوجوه1.
الحالة الرابعة: أن يقوم بحفظ المذهب2 ونقله وفهمه في الموضحات والمشكلات ولكن عنده ضعف في تقرير أدلته، وتحرير أقيسته، فهذا يعتمد نقله وفتواه فيما يحكيه من مسطورات مذهبه من نصوص إمامه، وتفريع المجتهدين في مذهبه وتخريجهم، وله فيما لا يجده منقولا إذا وجد في المنقول ما هو في معناه بحيث يدرك بغير كبير فكر وتأمل أنه لا فرق بينهما [جاز] 3 أن يلحقه به ويفتي به، وكذا ما يعلم اندراجه تحت ضابط ممهد في المذهب، وما ليس كذلك يجب إمساكه عن الفتوى فيه، ومثل هذا يقع نادرا في حق المذكور؛ إذ يبعد -كما قال إمام الحرمين- أن تقع مسألة لم ينص عليها في المذهب ولا هي في معنى المنصوص ولا مندرجة تحت شيء من ضوابط المذهب، وشرطه كونه فقيه النفس إذا حفظ وافر الفقه، قال ابن الصلاح4: وينبغي أن يكتفي في حفظ المذهب في هذه الحالة والتي قبلها بكون المعظم على ذهنه، فيتمكن لدربته من الوقوف على الباقي على قرب5. انتهى.