الذي ذهب إليه المحققون أن أصحابنا إنما صاروا إلى مذهب الشافعي لما وجدوا طرقه في الاجتهاد والقياس أسد الطرق ولم يكن لهم بد من الاجتهاد سلكوا طريقه فطلبوا معرفة الأحكام بطريق الشافعي لا أنهم قلدوه، وذكر أبو علي السنجي1 نحو هذا فقال: اتبعنا الشافعي دون غيره؛ لأنا وجدنا قوله أرجح الأقوال وأعدلها لا أنا قلدناه2، قال شيخ الإسلام النووي3: وهذا الذي ذكراه موافق لما أمرهم به الشافعي ثم المزني في أول مختصره وغيره بقوله مع إعلامهم نهيه عن تقليده وتقليد غيره، قال ابن الصلاح4: ودعوى انتقاء التقليد عنهم مطلقا لا يستقيم ولا يلائم العلوم من حالهم أو حال أكثرهم، وحكى بعض أصحاب الأصول منا أنه لم يوجد بعد عصر الشافعي مجتهد مستقل، ثم فتوى المفتي في هذه الحالة كفتوى المستقل في العمل بها والاعتداد بها في الإجماع والخلاف5.
تنبيه: إذا كان رجل مجتهد في مذهب إمام كما ذكر ولم يكن مستقلا بالفتيا عن نفسه، فهل له أن يفتي بقول ذلك الإمام؟ وجهان:
أحدهما: نعم، ويكون متبعه مقلدا للميت لا له.
والثاني: لا؛ لأنه مقلد له لا الميت، والسائل إنما أراد الاستفتاء على قول الميت.
والأول أصح وعليه ما نقل عن القفال في فتاويه أنه قال في مسألة بيع صاع من صبرة مجهولة الصيعان: نص الشافعي على الجواز وعندي لا يجوز، فقيل: