فضيلته اشتغل بالتصنيف، والجمع والترصيف، لاكتسابه من النهاية حلة التشريف1.

فصل: في التصنيف 2

ينبغي لمن كملت أهليته، وتمت فضيلته أن يعتني بالتصنيف، ويجد في الجمع والتأليف، محققا مسائله، مثبتا نقوله واستنباطه، متحريا إيضاح العبارة وإيجازها، ولا يوضح إيضاحا ينتهي إلى الركة، ولا يوجز إيجازا ينتهي إلى المحق والاستغلاق، ولا يطول تطويلا يؤدي إلى الملالة، ويجتنب الأدلة الضعيفة، والتعليلات الواهية، ويبين المشكلات، ويجيب عن التعقبات ويفك العضلات، ويستوعب معظم أحكام ذلك الفن، ويستعمل القواعد والنوادر، فبذلك يظهر له حقائق العلم ودقائقه ويثبت عنده العلم ويرسخ إن أكثر التفتيش والمطالعة، والتنقيب والمراجعة، والاختلاف من كلام الأئمة ومتفقه وواضحه ومشكله وصحيحه وضعيفه وراجحه، إلى غير ذلك، من سلوك هذه المسالك، فبذلك يتصف المحقق بصفة المجتهدين، ويرتفع عن درجة الجمود والتقليد، وينخرط في سلك الأئمة المحقين، قال الخطيب البغدادي: التصنيف يثبت الحفظ، ويذكي القلب، ويجيد اللسان، ويكسب جميل الذكر، وجزيل الأجر، ولا يشرع في تصنيف ما لم يتأهل له؛ فإن ذلك يضره في دينه وعلمه وعرضه، وليحذر من إخراج تصنيفه من يده إلا بعد تهذيبه وترداد نظره فيه، وينبغي أن يكون اعتناؤه من التصنيف بما لم يسبق إليه أكثر، والمراد أن لا يكون هناك مصنف يغني عن مصنفه في جميع أساليبه، فإن أغنى عن بعضها فليصنف من جنسه ما يزيد زيادات يختلف بها مع ضم ما فاته من الأساليب، وليكن تصنيفه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015