ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَى جَمِيعِ تِلْكَ الْأُمَمِ إِبْلِيسَ - لَعَنَهُ اللَّهُ - قَاضِيًا يَقْضِي بَيْنَ تِلْكَ الْأُمَمِ، لَا يَزُولُ عَنْ حُكُوَمةِ اللَّهِ شَيْئًا، لَيْلًا وَلَا نَهَارًا، فَلَبِثَ بِذَلِكَ أَلْفَ سَنَةٍ، فَعِنْدَ ذَلِكَ سُمِّيَ حَكَمًا، وَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ بِاسْمِهِ، فَلَمْ يَكُنْ عُرِفَ شَيْءٌ مِنَ الْخَلْقِ غَيْرُهُ، فَدَخَلَهُ مِنْ ذَلِكَ الْكِبْرُ فَاسْتَعْظَمَ وَتَكَبَّرَ، فَعِنْدَ ذَلِكَ عَتَا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ، فَطَغَى، وَأَطْغَى أَهْلَ مَمْلَكَتِهِ، فَأَلْقَى بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ، وَالْبَغْضَاءَ، وَالْبَأْسَ، فَاقْتَتَلُوا عِنْدَ ذَلِكَ أَلْفَيْ سَنَةٍ، حَتَّى جَعَلَتْ خُيُولُهُمْ تَخُوضُ فِي دِمَائِهِمْ، وَذَلِكَ قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ: {أَفَعَيِينَا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ} [ق: 15] ، وَذَلِكَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ لِرَبِّهِمْ فِي ذَلِكَ حِينَ سَخِطَ عَلَيْهِمْ: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} [البقرة: 30] ، يَعْنُونَ بِالدِّمَاءِ، فَعِنْدَ ذَلِكَ بَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ نَارًا مِنَ النَّارِ الْمُوقَدَةِ فَعَذَّبَهُمْ بِهَا، قَالَ: فَلَمَّا رَأَى الْخَبِيثُ مَا نَزَلَ بِهِمْ مِنَ الْعَذَابِ عَرَجَ عِنْدَ ذَلِكَ إِلَى السَّمَاءِ، فَأَقَامَ عِنْدَ الْمَلَائِكَةِ فَجَعَلَ يَعْبُدُ اللَّهَ عِبَادَةً مُجْتَهِدَةً، لَمْ يَعْبُدْهُ شَيْءٌ مِنْ خَلْقِهِ بِمِثْلِ تِلْكَ الْعِبَادَةِ، قَالَ: فَلَمْ يَزَلْ يَعْبُدُ اللَّهَ فِي السَّمَاءِ أَرْبَعَةَ آلَافِ سَنَةٍ، وَكَانَ رَبُّنَا تَبَارَكَ وَتَعَالَى قَدْ أَمَرَ الْمَلَائِكَةَ أَنْ يَسْجُدُوا لِآدَمَ، فَسَجَدُوا أَجْمَعِينَ غَيْرُهُ، تَكَبَّرَ وَاسْتَعْظَمَ أَنْ يُطِيعَ أَوْ يَسْجُدَ كَمَا سَجَدَتِ الْمَلَائِكَةُ، فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتُهُ بِيَدَيَّ؟، قَالَ: {أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ