101 - أَخْبَرَنَا أَبُو يَعْلَى الْمَوْصِلِيُّ، حَدَّثَنَا صَالِحُ بْنُ مَالِكٍ -[388]- الْخُوَارَزْمِيُّ، قَالَ: قَرَأَ عَلَيْنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى: " اعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوَّلٌ، لَمْ يَزَلْ أَوَّلًا، وَلَيْسَ بِالْأَوَّلِ الَّذِي كَانَ أَوَّلَ مَا كَانَ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَقَدْ كَانَ هُوَ الْآخِرَ الَّذِي لَمْ يَزَلْ لَيْسَ بِالْآخِرِ الَّذِي يَكُونُ آخِرًا، ثُمَّ لَا يَكُونُ، وَهُوَ الْآخِرُ الَّذِي لَا يَفْنَى، وَالْأَوَّلُ الَّذِي لَا يَبِيدُ، الْقَدِيمُ الَّذِي لَا بِدَايَةَ -[389]- لَهُ لَمْ يَحْدُثْ كَمَا حَدَثَتِ الْأَشْيَاءُ لَمْ يَكُنْ صَغِيرًا فَكَبِرَ، وَلَا ضَعِيفًا فَقَوِيَ، وَلَا نَاقِصًا فَتَمَّ، وَلَا جَاهِلًا فَعَلِمَ، لَمْ يَزَلْ قَوِيًّا عَالِيًا كَبِيرًا مُتَعَالِيًا لَمْ تَأْتِ طَرْفَةُ عَيْنٍ قَطُّ إِلَّا وَهُوَ اللَّهُ، لَمْ يَزَلْ رَبًّا، وَلَا يَزَالُ أَبَدًا كَذَلِكَ فِيمَا كَانَ، وَكَذَلِكَ فِيمَا بَقِيَ يَكُونُ، وَكَذَلِكَ هُوَ الْآنَ لَمْ يَسْتَحْدِثْ عِلْمًا بَعْدَ أَنْ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُ، وَلَا قُوَّةً بَعْدَ قُوَّةٍ لَمْ تَكُنْ فِيهِ، وَلَمْ يَتَغَيَّرْ عَنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ بِزِيَادَةٍ، وَلَا نُقْصَانٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْمُلْكِ وَالْعَظَمَةِ شَيْءٌ إِلَّا وَهُوَ فِيهِ، وَلَنْ يَزِيدَ أَبَدًا عَنْ شَيْءٍ كَانَ عَلَيْهِ إِنَّمَا يَزِيدُ مَنْ سَيَنْقُصُ بَعْدَ زِيَادَةٍ كَمَا كَانَ قَبْلَ زِيَادَتِهِ نَاقِصًا، وَإِنَّمَا يَزْدَادُ قُوَّةً مَنْ سَيَضْعُفُ بَعْدَ قُوَّتِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ زِيَادَتِهِ نَاقِصًا، وَإِنَّمَا يَزْدَادُ عِلْمًا مَنْ سَيَجْهَلُ بَعْدَ عِلْمِهِ كَمَا كَانَ قَبْلَ عِلْمِهِ جَاهِلًا، فَأَمَّا الدَّائِمُ -[390]- الَّذِي لَا نَفَادَ لَهُ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ خَالِقُ مَا يُرَى، وَمَا لَا يُرَى عَالِمُ كُلِّ شَيْءٍ بِغَيْرِ تَعْلِيمٍ فَإِنَّ ذَلِكَ هُوَ الْوَاحِدُ فِي كُلِّ شَيْءٍ الْمُتَوَحِّدُ بِكُلِّ شَيْءٍ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، وَكُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهَ، وَرَاجِعٌ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ بَدْءُ أَمْرِهِ، وَلَمْ يَكُنْ تَبَارَكَ وَتَعَالَى مِنْ شَيْءٍ، فَيَرْجِعَ إِلَيْهِ، وَلَمْ يَكُنْ قَبْلَهُ شَيْءٌ فَيَقْضِيَ عَلَيْهِ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مِنْ صِفَتِهِ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ مَرَّةً، ثُمَّ كَانَ إِنَّمَا تِلْكَ صِفَةُ الْمَخْلُوقِينَ، وَلَيْسَت بِصِفَةِ الْخَالِقِ لِأَنَّهُ خَلَقَ، وَلَمْ يَكُنْ يُخْلَقُ، وَبَدَأَ وَلَمْ يُبْدَأْ فَكَمَا لَمْ يُبْدَأْ، فَكَذَلِكَ لَا يَفْنَى، وَكَمَا لَا يَفْنَى، وَلَا يَبْلَى فَكَذَلِكَ، وَعِزَّةُ وَجْهِهِ لَمْ يَزَلْ رَبًّا، وَإِنَّمَا يَبْلَى وَيَمُوتُ مَنْ كَانَ قَبْلَ حَيَاتِهِ مَيِّتًا، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَكُنْتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ، ثُمَّ يُمِيتُكُمْ، ثُمَّ يُحْيِيكُمْ، ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [البقرة: 28] وَقَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ} [غافر: 11] فَكِلْتَاهُمَا مَوْتَتَانِ رَبُّنَا لَمْ يَكُنْ مَيِّتًا، فَحَيِيَ وَكَذَلِكَ هُوَ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ هُوَ رَبُّ الْخَلْقِ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ كَمَا هُوَ رَبُّهُمْ بَعْدَ أَنْ خَلَقَهُمْ، وَقَدْ أَحَاطَ بِهِمْ قَبْلَ خَلْقِهِمْ عِلْمًا، وَأَحْصَاهُمْ عَدَدًا، وَأَثْبَتَهُمْ كِتَابًا، فَكَانَ مِنْ أَمْرِهِ فِي تَقْدِيرِهِ إِيَّاهُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونُوا عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَمْرِهِمْ بَعْدَمَا كَانُوا لَيْسَ خَلْقُهُ إِيَّاهُمْ بِأَعْظَمَ فِي مُلْكِهِ مِنْ تَقْدِيرِهِ ذَلِكَ مِنْهُمْ قَبْلَ أَنْ يَكُونُوا بِعِلْمِهِ إِنَّمَا هُوَ عِلْمُهُ وَفِعْلُهُ لَا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أَنْ يَقْدُرَ وَاحِدًا مِنْهُمَا قَدْرَهُ، وَهُوَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَ، وَهُوَ مَالِكُهُ حِينَ يَأْتِي لَمْ يَكُنِ الْخَلْقُ شَيْئًا قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُمْ، حَتَّى خَلَقَهُمْ، ثُمَّ يَرُدُّهُمْ إِلَى أَنْ لَا يَكُونُوا شَيْئًا، ثُمَّ يُعِيدُ خَلْقَهُمْ، قَالَ تَعَالَى: {كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ} [الأنبياء: 104] ، فَهُوَ ابْتَدَعَ الْخَلْقَ، وَابْتَدَأَهُمْ وَعَلِمَ قَبْلَ أَنْ يَكُونُوا مَا يَصِيرُونَ إِلَيْهِ، ثُمَّ هَيِّنٌ بَعْدَ ذَلِكَ -[391]- تَكْوِينُهُمْ عَلَيْهِ، قَالَ: {وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [الروم: 27] ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ، وَلَيْسَ بِأَهْوَنَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ، وَلَكِنَّهُ قَالَ ذَلِكَ مَثَلًا، وَعِبْرَةً لِيَعْرِفَ الْعِبَادُ مَا وُصِفَ بِهِ مِنَ الْقُدْرَةِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَكَيْفَ يَكُونُ شَيْءٌ أَهْوَنَ عَلَيْهِ مِنْ شَيْءٍ، وَإِذَا أَرَادَ شَيْئًا يَقُولُ: «كُنْ» فَيَكُونُ إِنَّمَا هُوَ كَلِمَةٌ لَيْسَ لَهَا عَلَيْهِ مَئُونَةٌ لَا يَبْعُدُ عَلَيْهَا كَبِيرٌ، وَلَا يَقِلُّ عَلَيْهَا صَغِيرٌ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ، وَمَا بَيْنَهُمَا كَخَلْقِ أَصْغَرِ خَلْقِهِ، قَالَ {مَا خَلْقُكُمْ وَلَا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان: 28] ، قَالَ: {إِنْ كَانَتْ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} [يس: 29] ، وَقَالَ: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر: 50] ، فَهَذَا كُلُّهُ {كُنْ فَيَكُونُ فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83] غَيَّبَ الْغُيُوبَ عَنْ خَلْقِهِ، وَلَمْ يُغَيِّبْهَا عَنْ نَفْسِهِ، عِلْمُهُ بِهَا قَبْلَ أَنْ تَكُونَ كَعِلْمِهِ بِهَا بَعْدَمَا كَانَتْ مَا عَلِمَ أَنَّهُ كَائِنٌ قَدْ قَضَى أَنْ يَكُونَ، وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ كَتَبَ مَا عَلِمَ، وَقَضَى مَا كَتَبَ لَمْ يَكْتُبْ مَا عَلِمَ تَذَكُّرًا، وَلَمْ يَزْدَدْ بِخَلْقِهِ بَعْدَمَا خَلَقَهُمْ عِلْمًا يَزِيدُهُ إِلَى مُلْكِهِ شَيْئًا، وَهُوَ الْغَنِيُّ عَنْهُمْ بِمُلْكِهِ الَّذِي بِهِ خَلَقَهُمْ، قَالَ: {إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ وَمَا ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ بِعَزِيزٍ} [إبراهيم: 19]
-[392]- ، هُوَ أَبَدُ الْأَبَدِ الْوَاحِدُ الصَّمَدُ الَّذِي {لَمْ يَلِدْ، وَلَمْ يُولَدْ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ} [الإخلاص: 3] "